رسالةٌ عراقية، من الرسائلِ البابِلِيَّة، في الشؤون القانونية – ٢٤ –
عبد يونس لافي
أختٌ تكتب الى أخيها حول ادِّعاءِ تاجرٍ،
بانْتماءِ طفلٍ في رعايتها، إليه
رسالةٌ عراقية، من الرسائلِ البابِلِيَّة،
في الشؤون القانونية – 24 –
نحن هنا مع رسالةٍ،
بعثت بها بابليةٌ اسْمُها أكاتيجا (Akatija)،
الى أخيها سِناي (Sinnī).
كانت رسالتُها ذكيةً، ودون مُباشَرة،
لمَّحتْ فيها، فكان في التلميحِ،
ما أغنى عن التصريح،
او هكذا فَهِمْت.
ابتدأتْها بالدعاء،
وكان ذلك عادةُ القومِ في هاتيك الايام.
سألت الآلِهة،
ان يُبقي اخاها سليمًا على الدوام.
ثم تقولُ كم هي ممتنَّة للإله،
الذي مكَّنها من رؤيةِ أخيها ثانيةً،
بعد زمنٍ طويلٍ،
لذا أعطت وعدَها،
أن تُقدِّم اكثرَ ما يُمكنُها، من عطرٍ لهذا الإله،
حبًّا وإكرامًا وتقديسا.
بعد ذلك تُخبِرُ أخاها، تُطَمْئِنُهُ
بأنَّ كلَّ شيئٍ على ما يُرام.
طيلةَ ثلاثِ سنواتٍ مرَّت،
كانت فيها أرضُ حقلِهم خَصْبَةٌ،
لا تعاني من جفاف،
والحقلُ يُنتِجُ من الشعيرِ الكثير.
بعد ذلك تبدأُ سلسلةً من الإطراءِ والمديح،
فهي تارةً،
تصفُه بالشمسِ تكتسبُ منها الدِّفْءَ،
واخرى بأنه شجرةُ الأَرزِ التي تحتها تسْتَظِل.
ولذلك تسأل نفسها وتجيب،
لِمَ تقلق؟ لا داعي!
لن تجوعَ طالما كان هناك حقلٌ،
يعود الى والدها.
وأخيرًا تُعَرِّجُ الى مشكلة صَدَمَتْها،
فهي لم تكن لتُصدِّقَ،
أنَّها حصلت على طفلٍ ذكرٍ،
راحت تشرفُ على تربيته،
آملةً أنَّه سيكبُر،
فاذا ماتت اشرفَ على دفنِها.
أملٌ ليس بالكبير،
إنه أملُ الضٌّعفاءِ القانعين!
صَدْمَتُها كانت،
ذلك التاجرُ الذي نازعَها الولد!
إنَّه يُبلِغها ان تُسلِّمَه إيّاه،
لأنه يعود اليه، وأنَّ القانونَ معه.
يخيل إلَيَّ أنَّ موقفَ المرأةِ كان ضعيفًا،
وقد صُدِمت بأملها الوحيد، بذلك الطفل الأمل،
وكأنها تقول لأخيها دونما تصريح،
حانت الساعةُ لتكونَ المعينَ لي إذ لا معين،
وأنك الدفءُ والظل،
إزاءَ الطلبِ الفاجعة، طلب التاجر!
نصُّ الرِّسالة:
"أبلغ سِناي (Sinnī):
أنَّ أختَك أكاتيجا (Akatija)
ترسل الرسالة التالية:
عسى الآلهة إنليل (Enlil1)،
ونينليل (Ninlil2)،
ونينشوبور (Ninšubur3)،
يبقوك لأجلي صحيحًا معافى على الدوام.
اني لأجل الإله الذي جعلني أرى وجهَك مرة أخرى،
سأقدم العطور اليه بسرور وسخاء.
لثلاث سنوات لم يكن الحقل متعطشًا للمياه،
وأنا باستمرار في صحة جيدة،
والحقل مليء الآن بالشعير.
أنت الشمس، فدعني أتدفأ بأشعتك،
أنت الارز فدعني أتفيَّأ في ظلك فلا احترق.
لِمَ أقلقُ، وحيثما كان هناك حقلٌ يعود الى والدي،
يكون هناك قوتٌ لي فلا أجوع؟
لقد اكتسبت ولدًا طفلاً، وانا اقومُ بتنشِئَتِه،
وأحدِّثُ نفسي: لأَدَعْه يكبر،
حتى يكونَ هناك من يدفنني عند موتي،
ولكن التاجرَ فاجأني الآن بطلبه قائلا:
لتُسلِّمي لي "المدقة".
قاصدًا أنَّ الصبيَّ ينتمي قانونًا إليه!"
وبهذا خُتِمَتِ الرسالة.
الخلاصة:
كم من الآمال تساورُ المرء،
وعلى حين غِرَّةٍ تتلاشى،
فتصبح كالسراب.
1 إنليل (Enlil) إله الرياح والعواصف والهواء والأرض. هو الهٌ سومريٌّ قديم، عبده بعد السُّومريين، الأكديُّون والآشوريُّون والبابليُّون.
2 نينليل أو نين ليل بالسومرية (Ninlil) سيدة الحقل المفتوح، أو سيدة الرياح، عبدها السومريٌّون والأكديٌّون و البابليُّون والآشوريُّون.
3 نينشوبور (Ninšubur) كانت سوكال الإلهة إنانا (Inanna)، ورافقتها خادمةً وصديقة. مرَّ ذكرإنانا في الرسائل السابقة على انها آلِهةُ الحب والجنس والجمال، ولقبت ايضا بملكة السماء، وهي معبودة السومريين، وبعد ذلك عبدها الأكديُّون والآشوريُّون والبابليُّون.