حكم التافهين
سلام مرقس
حكم التافهين …médiocratie
بالمنطق والعقل نرى ان السلطات الثلاث في العراق اتفقت على قضية غير قانونية وغير دستورية وغير شرعية بان يُعطل البلد ليصل الى ماهو علية الان ، والهدف هو تدميره وبمساعدة دولة اقليمية بايدي عراقية ، من خلال توجيه اسلحتهم المختلفة صوب الشخص الوطني الاصيل لتقتل فيه روح المواطنة وشطب هويته الوطنية بصناعة الجهل والتفاهة والتسقيط ، وبالنتيجة تاكد العالم كله ان الحكم في دولة العراق هو بيد الحكام التافهين .
حكم التافهين …médiocratie
من هم التافهون؟
كلمة ميديوقراطية Médiocratie تتالف من مقطعين “Mediocris” اللاتينية التي تعني الرديء، والدنيء او التافه .
أما المقطع الثاني فهو كلمة “kratos” اليونانية والتي تعني الحكم ، السلطة والهيمنة.
يظهر هذا النوع من الحكم ( نظام حكم التافهين) عندما يفسد نظام الحكم السياسي وتنهار المنظومة الأخلاقية بيد الرعاع والاوغاد .
على سبيل المثال : العراق
ظهرت معالم هذا النظام عندما اتى الى الحكم السفيه والخائنُ والكذاب والسارق والمنافق (باستثناءات نادره ) ، وحين بدءوا يفتون ويتحدثون في الامور العامة وفي الدين والشرف والنزاهة والعفة وهم بعيدون كل البعد عنها ، فاختفى الصادق الامين في هذا الوسط الموبوء وهربت العقول الوطنية . ويطلق على هذه الحالة الميدوقراطية او حكم التافهين ، ويقال عنهم الرويبضة .
قيل: وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه والسفيه الذي يتكلم في أمور العامة.
يقول الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة :
لقد تبوأ التافهون مواقع السلطة !
هذا القول يشخص واقع حال العراق ، فنرى ان النظام الحالي يرمي الى اضفاء التفاهة على كل شيء ، كالعلوم والقضاء والصحافة والفن والادب والسياسة مستخدمًا ادوات غاية في الارهاب تارة من خلال استخدام العصابات والمليشيات للاعتداء على كل من هو اكاديمي علمي ، مثقف ،فني ،ادبي ، وتارة اخرى استخدام البهرجة والابتذال والاعلام السيء المبرمج مستهدفين البنية الاجتماعية والعلاقات الانسانية مروراً بالاسرة ، او يخترقون المجتمع من خلال إشاعة البلاده والحماقة والبلاهة لتحل محل العقل والتفكير والتفاهم ، وكل هذا حصل ويحصل نتيجة سيطرة المجرمين المسلحين على المال والمناصب ، وبالتالي التحكم بارزاق العباد ، وينتج هذا الوضع اشخاص ضعفاء ، مهمشين جهلة وتافهين , يبيعون قيمهم ومبادئهم بسرعة ولأتفه الاشياء ، يبيعون انفسهم لرجال العصابات والسلطة فيقفزون على دوائر الدولة وادارة شؤون العامة وعليه ممكن ان نصف الوضع السياسي الاداري والاجتماعي في العراق بانه عصر صعود التفاهة . …..
لم يحتَجِ التافهون في العراق لوسيلةٌ اسهل واسرع وامض هتكاً بالمجتمع الا اختراق جدار الاخلاق !!! وهذا لم يتطلب منهم جهداً غير استخدام سماسرة يجيدون صناعة الجهل وتسقيط المنظومة الاخلاقية والاجتماعية ومهاجمة النخب الوطنية ، لتغيب عنه قيم الاحترام والامانة والصدق والعمل الصالح بين ابناء البلد .
وبعد خرقهم للمنظومة الاخلاقية اصبح الطريق سالك لتمزيق النسيج الوطني العراقي ، والسيطرة على مفاصل السلطة من خلال الطائفية والمحاصصة ، حين وضعوا أيديهم على مواقع صنع القرار ، وحجبوا دور القضاء ، وزوروا الانتخابات ، وسنوا قوانين على مقاساتهم الخاصة ، وصار لهم القول الفصل والكلمة الأخيرة في اغلب الاشياء
فسرقوا المال لبناء الميليشات ، واشتروا الاعلام وسيطروا عليه لغسل العقول وبث الكراهية اينما تمكنوا .
في المحصلة حسم التافهون المعركة، بالترهيب والترغيب عن طريق المال الحرام ، والعصابات المجرمة والسلاح القاتل !.
حكم التافهين العراق منذ عقدين ، ومنذ ذلك الحين ورسائل الكراهية والعنصرية منتشرة ، والتدين الزائف ، وممارسة طقوسًا غريبة ، واجترار الماضي بطريقة خاطئة لغرض نشر الجهل ، ناهيك عن المواضيع والطروحات الهابطة سواء في الاعلام الممنهج أو في وسائل التواصل الاجتماعي .
السؤال المطروح كيف استمر التافهون في الحكم الى يومنا هذا ؟
كما اسلفنا ان التافهين لهم سماسرة مختصون في صناعة التفاهة والجهل يستخدموا اسلوب تسقيط القيم والاعراف ، ليتمكنوا من ابعاد النخب الوطنيين والطبقة المثقفة والمتعلمة عن البلاد بالتهديد و التشكيك بالثوابت الاجتماعية والعلمية ، وبث الاكاذيب حول النخب الوطنية وبالتالي السيطرة على العقل الجمعي من خلال سياسة القطيع .
كيف تشخص حكم التافهين ؟
مدينة كركوك مثالاً : في الايام الاخيرة تصاعدت اعمال شغب وعنف في هذه المدينة المعروفة بتنوعها القومي والديني ، (سوف تُستثنى من كونها محافظة نفطية لانها ابعد ما تكون عن ذلك في الواقع ) !
في خلال ساعات كان الامن مخترقاً ويسمع صوت السلاح المنفلت والقتل على الهوية !
مدينة يقتل اهلها بعضهم بعضا ، من اجل قضية لم يحسمها القضاء والدستور والسلطات والحكومات الى يومنا هذا لان التافهين يريدون ذلك ، يريدون شارع مضطرباً مملوءَاً بالقنابل الموقوتة ، سقط قتلى وجرحى ودخلت المدينة في حربٍ على الهوية ، لعدة ايام وتم اخماد الاضطرابات بمكالمة واحده !!! نعم بمكالمة واحدة من الزمرة التي تتحكم بالبلاد صمتت اصوات الرعاع .
الكثير من علامات التعجب والاسئلة تراود المخيلة ، فمن هى القوة التي تقف خلف هؤلاء الرعاع القتلة المنفلتين أخلاقيًا ووطنيًا ؟ من مدهم بالسلاح ، من اعطى لهم الاوامر بالاطلاق النار ؟
هل هى دولة قائمة ام عصابةٌ ماجورة تحكم وتسيطر ولها اجنداتها الخاصة لقمع البلاد والعباد ؟
هنالك امثلة كثيرة تخص سرقة البنوك والعقود الوهمية وانهيار البنية التحتية وهيمنة الاعلام الاجرامي الخطير، وغياب سلطة القانون والتجاوز على المكونات الوطنية العراقية الاصيلة ، كل هذا هو ديدن التافهين .
لا يسعنا الا ان نقول ان الفيلسوف الان دونو صدق بقوله : ( تبوأ التافهون مواقع السلطة ) …. واضيف تبوأ التافهون مواقع السلطة في بلادي .