معضلة الرواتب تواجه مجددا إقليم كردستان العراق وتهدده بانفجار شعبي
أزمة الرواتب تؤثر على الدورة الاقتصادية لكردستان العراق
أربيل (العراق) - تخشى سلطات إقليم كردستان العراق مواجهة أزمة اجتماعية حادّة بسبب عجزها عن توفير رواتب موظفي الإقليم بعد أن تعثّرت مجدّدا جهود حلّ المشكلة المالية مع الحكومة الاتّحادية العراقية.
وتعتمل في الإقليم حالة من الغضب الشعبي بفعل التراجع السريع في الأوضاع الاجتماعية وتباطؤ الحركة الاقتصادية بعد أن كانت رواتب الآلاف من العمّال والموظفين تساهم في إنعاشها.
ويشنّ المدرّسون وموظفو القطاع العام منذ أسابيع إضرابات عن العمل ونظموا مؤخرا احتجاجات في شوارع عدد من مدن إقليم كردستان للمطالبة بالحصول على رواتبهم.
وعادت الخلافات بين أربيل وبغداد بشأن الرواتب لتتفجّر من جديد بعد أن سلكت طريقها للحلّ بموافقة حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على صرف مبالغ لحكومة الإقليم تخصص لدفع رواتب الموظفين.
وتعتزم حكومة الإقليم إيفاد وفد إلى بغداد هذا الأسبوع لإعادة طرح قضية الرواتب مع الحكومة الاتّحادية التي تحمّلها مسؤولية تفجّرها من جديد.
وقالت الحكومة التي يرأسها مسعود بارزاني في بيان إنه كان من المفترض أن يتم الأسبوع الماضي إرسال مخصصات الرواتب البالغة 700 مليار دينار (نحو 530 مليون دولار) لكن الأموال تأخرت مرة أخرى خلافا لكل ما تمّ الاتفاق عليه خلال الاجتماعات المشتركة.
وأضافت أنّ وفد حكومة إقليم كردستان سيزور بغداد هذا الأسبوع وسيعقد اجتماعا مع الحكومة الاتحادية الثلاثاء، تجنبا لعودة المشاكل.
جاء ذلك بالتوازي مع مسار قضائي سعت أطراف سياسية لإدراج قضية الرواتب فيه، أملا في إجبار بغداد على صرف الأموال المخصصة للإقليم.
والأحد أرجأت المحكمة الاتحادية العراقية إلى 28 نوفمبر المقبل نظر الدعوى القضائية التي قدمها الأمين العام لحزب الأمة العراقية محمود العكيلي ضد رئيس الوزراء العراقي بشأن رواتب موظفي إقليم كردستان.
وطالب صاحب الدعوى بإلزام حكومة السوداني بدفع رواتب موظفي الإقليم في وقتها المحدد، أسوة بباقي الموظفين في الدوائر والمؤسسات الرسمية بالمحافظات العراقية.
وتعهّد العكيلي بتقديم جميع المستندات المتعلّقة بالقضية. وقال لشبكة رووداو الإخبارية “نشعر أن هناك هدفا آخر وراء مسألة الرواتب وعدم دفعها للموظفين، لذلك لا ينبغي أن يستمر هذا، لأنه لا يمكن التلاعب برواتب وقوت الناس، لأن هذا مخالف للقوانين العراقية المعمول بها وللدستور”.
ويحيل كلام المسؤول الحزبي على اتهامات موجّهة إلى أطراف حزبية مشاركة في حكومة السوداني بممارستها ضغوطا على قيادة إقليم كردستان من خلال استخدام المسألة المالية الحساسة، وذلك في إطار تصفية حسابات سياسية ضدّها.
وبعد أن دخل الحزب الديمقراطي الكردستاني المتزعّم لحكومة الإقليم في توافقات سياسية مع الإطار التنسيقي الجامع لأبرز الأحزاب الشيعية في العراق والتعاون معها على تشكيل الحكومة الاتّحادية الحالية، طفت على السطح خلافات حادّة بين الطرفين في ظلّ اتهامات من قبل تلك الأحزاب لشريكها الكردي بالتواصل مع جهات خارجية على رأسها تركيا والولايات المتّحدة الأميركية والعمل لحسابه الخاص من أجل تحصيل مكاسب سياسية ومالية.
وتابع بيان حكومة الإقليم قائلا “لقد أظهرت حكومة إقليم كردستان نيتها الواضحة للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الاتحادية، ولم يبق لدينا أي شيء لنفعله، ولكن إذا استمر الوضع على هذا النحو فلا يمكننا أن نبقى صامتين”.
وتقول حكومة الإقليم إنّها أوفت بكل الشروط والمطالب التي طرحتها بغداد لصرف الأموال، مؤكّدة أنّ التقرير المشترك لديواني الرقابة التابعين لحكومة الإقليم وللحكومة الاتّحادية أكد صحة أعداد متقاضي الرواتب بعد عملية التدقيق المشترك، ومعتبرة أن من واجب الحكومة الاتحادية، وبشكل خاص وزارة المالية، إرسال رواتب إقليم كردستان في مواعيدها أسوة بباقي مناطق العراق، لأن الرواتب تمثل حقوقا قانونية لمتقاضيها.
وفي ظل اعتراض شديد من قبل قوى سياسية عراقية ذات نفوذ على تحويل الأموال إلى إقليم كردستان وإثارتها عوائق قانونية على رأسها عدم التزام الإقليم بتسليم عوائد النفط والمنافذ الحدودية للحكومة المركزية كما ينص القانون على ذلك، لجأت حكومة السوداني إلى مخرج قانوني ظرفي يتمثل في تحويل دفعات مالية إلى أربيل في شكل قروض.
وأقر مجلس الوزراء العراقي في سبتمبر الماضي إقراض حكومة إقليم كردستان مبلغا قدره تريليونان ومئة مليار دينار للسنة المالية الحالية يتم دفعها على ثلاث دفعات بـ700 مليار دينار لكل دفعة، ابتداء من الشهر المذكور.
المدرّسون وموظفو القطاع العام يشنون منذ أسابيع إضرابات عن العمل كما نظموا احتجاجات في شوارع عدد من مدن إقليم كردستان للمطالبة بالحصول على رواتبهم
وجاء القرار بعد زيارة وفد رفيع من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد عقد خلالها اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين والقادة السياسيين حول استحقاقات الإقليم من الموازنة الاتّحادية.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد أعلن الأسبوع الماضي أن ديواني الرقابة قدما تقريرا فيه ملاحظات حول أعداد الموظفين، مبيّنا أن مجلس الوزراء وجّه اللجنة الحكومية ولجنة إقليم كردستان بعقد اجتماع لمعالجة الملاحظات.
كما كشف السوداني أن تسوية مشروطة بتدقيق أعداد الموظّفين ستجري الشهر المقبل مع الإقليم لتحديد حصة الأخير من الموازنة الاتّحادية.
ويرتبط تدقيق أعداد موظّفي إقليم كردستان العراق باتّهامات سابقة وجّهت إلى حكومته بتضخيم تلك الأعداد بهدف الحصول على أموال إضافية يقول موجهو التهم إنّها تذهب إلى جيوب مسؤولين حكوميين في الإقليم.
وتتبرّأ القيادة السياسية للإقليم من المسؤولية عن أزمة الرواتب المحرجة لها أمام الشارع الكردي العراقي المتحفّز للاحتجاج جرّاء غضبه على السياسات العامّة لحكومة مسرور بارزاني.
وقال بارزاني إن حكومة الإقليم لم تكن سببا في تأخير الرواتب، معربا عن أسفه لاستغلال بعض الجهات مسألة رواتب المعلمين لحضّهم على عدم العودة إلى المدارس.
ولم يتسلّم المعلّمون في الإقليم إلى حدّ الآن رواتب أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ما دفعهم إلى تنفيذ إضراب عن العمل، فيما يهدّد موظفو وعمّال عدد من القطاعات بنقل احتجاجاتهم إلى الشارع.