نيجيرفان بارزاني: لا ينبغي أن ينخرط العراق بأي شكل في توترات الشرق الأوسط
موقع رئاسة اقليم كوردستان:شارك فخامة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح اليوم (الاثنين، 20 تشرين الثاني 2023) في منتدى أمن الشرق الأوسط (MEPS) المنعقد في دهوك والذي نظمته الجامعة الأمريكية في كوردستان تحت إشراف دولة السيد مسرور بارزاني رئيس وزراء إقليم كوردستان وبحضور عدد كبير من الضيوف من العراق وإقليم كوردستان ودول العالم.
وفي خطاب له، تطرق فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني إلى الأوضاع الراهنة للمنطقة وتحدياتها، وأدناه نص الخطاب:
صباح الخير..
مرحباً بكم جميعاً..
أرحب بالجميع، الضيوف الكرام الذين جاؤوا من الخارج، والذين جاؤوا من بغداد، والمحافظين من سائر أنحاء العراق، أهلاً وسهلا بكم جميعاً.
أود أن أرحب ترحيباً خاصاً بالسيد بافل طالباني، الذي يشارك معنا هذا المنتدی في دهوك. كما تعلمون جميعاً كانت لنا في الفترة الأخيرة سلسلة اجتماعات، وكانت جيدة جداً، كان هناك السيد بافل والسيد قوباد وأنا والسيد مسرور والسید هوشيار، كانت اجتماعاتنا مثمرة ونأمل بعون الله أن نواصل هذه الاجتماعات مستقبلاً ونتوصل إلى تفاهم مشترك. أرحب بكم ثانیة وأرجو لكم وقتاً طيباً في دهوك.
وأثني على الجامعة الأمريكية في كوردستان والتي تنظم هذا المنتدى سنوياً، وتناقش في هذا الوقت المهم العديد من المواضيع الهامة المرتبطة بالسلام والأمن في الشرق الأوسط والعراق وإقليم كوردستان، وأثني بصورة خاصة على السيد مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان الذي بدأ من اليوم الأول بإنجاز هذا العمل المهم في دهوك وتأسيس الجامعة الأمريكية في دهوك وتنظيم هذا المنتدى، فشكراً جزيلاً لسیادته.
أيتها السيدات والسادة..
يتزامن انعقاد المنتدى هذه السنة مع توترات خطيرة في أوضاع المنطقة تهدد الأمان والاستقرار في هذه المنطقة وفي العالم. هذه الأوضاع وضعت العالم في معضلة كبيرة. ولأن أمن واستقرار واقتصاد العالم مترابط فإن الأحداث أينما وقعت تؤثر حسب مستوياتها على الأوضاع في العالم أجمع. إن الحرب بين إسرائيل وحماس أثبتت مرة أخرى حقيقة أن الأمن العالمي مفهوم له معنى وحقيقة.
إن اتساع دائرة حرب إسرائيل وحماس، وتورط المزيد من قوى المنطقة والعالم في المشكلة، يجعل الأوضاع أصعب وأشد خطراً. وتداعيات ذلك على المنطقة وعلى العالم بصورة عامة، ستكون أشد سوءاً وطويلة الأمد.
في ظل ظروف كهذه، علينا نحن في العراق وإقليم كوردستان أن نتعامل بمنتهى الحذر. وبكل الطرق، ومهما كانت الذرائع لا ينبغي أن نسمح بانخراط لعراق في هذه الحرب وفي المزيد من المشاكل والتعقيدات، لأن ذلك يلحق به خسائر كبيرة.
يجب أن يكون العراق مستقراً لكي يتقدم. والوقت الآن هو وقت التفكير في تحويل العراق إلى ميدان لحل مشاكل شعب العراق، وليس إلى ميدان لإدامة الحروب والتوترات في المنطقة.
إن إندلاع الحرب مجدداً بين حماس وإسرائيل، أثبت حقيقة بسيطة وهي: أن المشاكل لن تحل بتأجيلها وسترها، بل تكبر وستنفجر يوماً بدرجة أشد. والقوة والحرب والعنف ليس حلاً لأية مشكلة. ربما قد تعمل هذه الوسائل لوقت ما وفي ظل ظروف معينة إلى حجب المشاكل وإخفائها، لكنها ستعمقها. فالسلام هو الطريق الصحيح، والشجاعة الحقيقية تتمثل في حل المشاكل.
إن الحرب لا تساهم إلا في نمو فكرة الأخذ بالثأر والعنف والتدمير، وحينها سيكون على الجميع أن يدفعوا ضريبة أقسى وأعظم، تماماً مثل الذي يجري الآن في المنطقة، والذي إن لم يتم قطع السبل علیه سيسوء وسيتفاقم.
إن حل الدولتين كما ورد في القرارات الدولية، والذي يضمن حق الوجود والسلام للطرفين، هو الطريق الوحيد لانهاء التوترات ويكفل تسکیر المشكلة. لقد مرت عقود من الحروب والمواجهات، وستمر عقود أخريات من إراقة الدماء والخراب ولن تثمر شيئاً لا لفلسطين ولا لإسرائيل. الحل هو الشجاعة والإرادة الحقيقية للسلام.
لقد آن الأوان ليسعى العالم كله لإيقاف هذه الحرب، وإنهاء قتل المدنيين في غزة وتدمیر حياتهم، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن المدنيين. ثم بعد ذلك العمل على حل جذري لمشكلة فلسطين وإسرائيل على أساس الدولتين، وإلا فإن إعادة التاريخ ستؤدي إلى نفس النتيجة الحالية وسنستيقظ صباح يوم ما مرة أخرى على توترات أسوأ في الوضع.
أیها الحضور الكرام..
في العراق.. كان ممكناً أن تكون تجربة عشرين سنة من تحرير العراق أفضل بكثير لو تم تنفيذ الدستور كما هو، ولو جرى ترسيخ النظام الاتحادي الذي هو نظام العراق وصوّت الشعب لصالحه. إن عدم تطبيق النظام الاتحادي وعدم الالتزام بالدستور، ولّدا الكثير من المشاكل والخلافات السياسية وعدم استقرار متعدد الأوجه في العراق، وهذا جعل استقرار العراق يبدو هشاً بشکل مستمر.
إن الحل هو العودة إلى أسس (الشراكة، التوافق، والتوازن) التي بني العراق الجديد عليها، وكانت بمثابة الروح لكتابة الدستور العراقي. وعلى النخبة السياسية العراقية أن تعود إلى هذا السبیل. من الضروري جداً أن تتعاون الأطراف السياسية العراقية على صياغة القوانين التي يقضي الدستور بسنّها، وأن تساعد الحكومة ومؤسسات الدولة على تطبيق الدستور.
إن النظام الاتحادي هو أساس الدستور العراقي. والنظام الاتحادي يستطيع ضمان المساواة والشراكة الكاملة لكل مناطق ومكونات العراق. فمن خلال هذه الشراكة يتقدم شعب العراق اقتصادياً ويتحد اجتماعياً. وهذه هي خارطة الطريق الصحيحة لحل المشاكل في العراق. أما التصرف والتفكير وفق معيار ومنطق القوة، فلن يعالج أياً من علل العراق، بل سيزيد من تعقيد وخطورة المشاكل في هذا البلد.
لكي يكون العراق مستقراً ومحمياً، ولكي يتقدم ويتبوأ مكانته التي يستحقها في المنطقة وفي العالم، يجب أن يكون وطنا لكل المكونات دون تمييز، ويجب أن لا تجري مصادرة وانتهاك حقوق أي مكون. وأن لا يهمّش أي مكون في العراق بأي شكل من الأشكال. العراق سيكون قوياً بالتعايش بين مكوناته المتنوعة. ويكون ضعيفاً وسيتخلف بممارسة التمييز والخلافات بين المكونات.
يجب أن تكون الأطیاف كلها شريكة ومشاركة في القرار السياسي وفي إدارة البلد. وأن لا يشعر أي مكون ومواطن عراقي، مهما كان دينه ومذهبه وقوميته، بالظلم والتمييز، بل يجب أن يشعروا جميعا بأنهم متساوون وهذا الوطن هو وطنهم جمیعا.
إن عملت النخب السياسية العراقية والأطراف السياسية العراقية بروحية ومضمون الدستور العراقي، سيكون حل المشاكل يسيراً. فالمشاكل ليست مستعصية بحيث يكون حلها مستحيلاً. المسألة هي فقط مسألة التفكير. إن فكرنا بالطريقة الصحيحة، وفكرنا في تفاهم من أجل الشراكة والتعايش السلمي، وإن وضعنا البلد ومصالحه فوق كل هوية وكل شيء آخر، حينها سنرى أنە من الیسیر حل المشاكل کلها.
في ظل الظروف المعقدة الحالية للمنطقة، علينا في العراق أن نتصرف بمنتهى الحكمة والحذر. ولكي يتمكن العراق من مواجهة كل التحديات عليه أن يحل مشاكله. وحماية الاستقرار السياسي في العراق ضرورية الآن أكثر من أي وقت. فالعراق لا يزال يعاني من تداعيات حرب داعش، ولا يزال يعاني مشاكل اقتصادية وخدمية، وهو بحاجة إلى الاستقرار والسکینة. وكل خطوة من شأنها أن تضعف الاستقرار السياسي في البلد، تهلک حياة شعب العراق.
أيتها السيدات والسادة..
نحن نعتقد أن مفتاح استقرار العراق هو حل مشاكل إقليم كوردستان مع الحكومة الاتحادية العراقية. والدستور العراقي رسم خارطة طريق واضحة جداً لحل المشاكل. كل ما نحتاجه هو فقط إرادة سياسية لحل المشاكل من جانب الأطراف السياسية.
إن إقليم كوردستان مستعد لحل مشاكله مع بغداد وفقاً للدستور ومن خلال التفاهم المشترك، حلاً يصب في مصلحة البلد كله ويضمن الحقوق الدستورية للجميع. صحيح أن الحل متغیب حتى الآن، لكن استمرار الحوار من أجل الحل بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية أمر في غایة الأهمیة.
من المؤكد أن نتائج الحوار حتى الآن لا ترقى إلى مستوى تطلعات وتوقعات إقليم كوردستان، لكننا نعتقد أن استمرار المحادثات هو الطريق الصحيح والوحيد نحو التوصل إلى حل لكل المشاكل القائمة. نحن لن نستسلم لليأس وسنستمر في البحث عن حلول للمشاكل. وفي هذا السياق ننظر بتقدير إلى مساعي وعمل السيد محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق الاتحادي، ومن جانبما ندعمه کامل الدعم.
إن الموظفین والمتقاعدین ومتقاضي الرواتب في إقليم كوردستان يعيشون أوضاعاً صعبة للغاية. والإسراع في وضع حل جذري لميزانية ورواتب إقليم كوردستان واجب وطني على الحكومة ومؤسسات الدولة في العراق. فالأزمة المالية والضغوط على معيشة الشعب في إقليم كوردستان، يمكن حلها عاجلاً من خلال الاتفاق بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كوردستان. ولإنهاء هذا الهاجس في إقلیم کوردستان من الملح جداً الإسراع في هذا الشأن، لأنه أثر على الحياة والأعمال والسوق لکافة شعب إقليم كوردستان.
إنه من الواجب الإسراع في إزالة العقبات أمام استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان، لأن إيقاف تصدير نفط إقليم كوردستان قد ألحق خسائر تقدر بمليارات الدولارات بالدخل العام العراقي وباقتصاد البلد، واستمراره على هذا النحو لن يعود بأي نفع على العراق.
أيتها السيدات والسادة..
في ظل الظروف المعقدة للمنطقة، لا بد أن تكون لنا في إقليم كوردستان قراءة وتقييم وفهم صحيح لتطورات الأحداث وتداعياتها المحتملة. إن الواجب الأول لكل الأطراف السياسية هو تحقيق الوئام ووحدة الصف والتفاهم. وفي هذا المجال يقع العبء والمسؤولية بالدرجة الأولى على الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني اللذين عليهما التوصل إلى تفاهم مشترك وحل خلافاتهما، وقد كان اجتماعاتنا الأخيرة اجتماعات مثمرة، ومن الضروري جداً أن تستمر تلک الاجتماعات.
لیس هناک مشاکل معقدة من المستعصي حلها بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني والأطراف الأخرى. فالأخطار والتحديات المحدقة بإقليم كوردستان أعظم من كل الخلافات، والسبیل الوحيد لمواجهتها هو التفاهم والشراكة والتعاون المشترک بین الجمیع.
بإستطاعة الأطراف السياسية لإقليم كوردستان، هنا وفي بغداد، من خلال توحيد كلمتها على المصالح العامة والعليا للإقليم أن تحسن الأوضاع المعيشية للشعب وحياته وتحمي مكاسب وحقوق شعب إقليم كوردستان الذي قدم الآلاف من الشهداء والضحايا في هذا السبيل حتى وصل إلى يومه هذا. لذا فإن الكوردستانيين، وبكل مكوناتهم، يتطلعون الآن أكثر من أي وقت إلى وحدة صف الأطراف السياسية وتلاحمها. وهذا هو الضمان لحماية مكاسبنا الدستورية وكيان إقليم كوردستان.
أیها الحضور الكرام..
كما جاء في مواضيع هذا المنتدى ومناقشاته، فإننا في العراق وإقليم كوردستان وإلى جانب التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية نواجه تداعيات التغير المناخي. وهذا بحق خطر وتهديد حقيقي ويتطلب خططاً وعملاً كثيراً لتقليل آثاره السلبية على حاضر ومستقبل العراق وإقليم كوردستان والمنطقة.
إنه من الواجب التعامل مع هذا الموضوع بجدية بالغة، ولهذا الغرض، يجب أن يكون هناك تعاون ومشاركة بين جانب العراق ودول المنطقة ومع دول العالم. ونرجو أن تساعد مواضيع ومناقشات هذا المنتدى في تحديد طرق وأساليب مواجهة هذه الخطورة.
کما هناك أيضاً موضوع الذكاء الاصطناعي، وهو موضوع آخر للمحاورة في المنتدى، وحديث الساعة في المراكز العلمية والتكنولوجية في العالم، وهو موضوع جدي وهام. إنه لعمل جيد أن تولي الجامعة الأمريكية في كوردستان وجامعات العراق وإقليم كوردستان اهتماماً خاصاً بهذا المجال. وأن تقف على دوره وتأثيراته، وتبحث في الفرص والمخاطر التي يحملها معه، والتي ستترك بصمة كبيرة على مستقبل البشرية.
إنه لیملکني سعادة بالغة إذ أن لدى طلبة وشباب كوردستان وعي كبير بالتغيير المناخي، وأنهم تفاعلوا قدر ما أتيح لهم مع المواضيع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وسعيد للغاية بمستوى ووعي الجيل الناشئ في كوردستان، وأرجو أن يؤسسوا لحياة أفضل للأجيال التالية.
مرة أخرى، أرجو النجاح لـ(منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط)، وأرجو لكم جميعاً أوقاتاً طيبة.
مرحبا بکم ثانیة..
وشكراً جزيلاً.