غزة ...
د.عدنان هاشم
[size=32]غزة ...[/size]
كانت حربا ضارية تلك التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد فيتنام، دامت تلك الحرب عشرين عاما بين سنة 1955 حتى سقوط العاصمة سايغون في الثلاثين من شهر نيسان عام 1975. أستعمل الأمريكان في تلك الحرب قنابل النابالم الحارقة وأشد الأسلحة فتكا ودمارا التي أتت على الحرث والنسل، وارتكب الجنود الأمريكان العشرات من المجازر التي يدمى لها القلب ويندى لها الجبين وتعتبر جرائم حرب بكل المقاييس الدولية والأخلاقية، وتركت عشرات الآلاف من المعوقين والمشوهين، ولكن كل ذلك لم يثن عزيمة المقاتلين الفيتناميين عن النضال لطرد المحتل فتكلل النصر بطرد الأمريكان إلى غير رجعة من فيتنام
كانت واحدة من تلك المجازر التي تناولتها وسائل الإعلام آنذاك بصورة واسعة مجزرة ماي لاي My Lai Massacre. لم يكن في تلك القرية أي من مقاتلي الفيتكونغ الفيتناميين وإنما أطفال ونساء وشيوخ عزل، وكان كثير منهم يحضرون طعام الإفطار على نيران أوقدوها خارج بيوتهم قبل أن يستقبلوا يومهم للعمل في الحقول. هجمت كتيبة من الجنود الأمريكان صباح اليوم السادس عشر من آذار سنة 1968 على السكان العزل فكانت مجزرة رهيبة حيث قتلوا ما يقرب من خمسمائة من تلك القرية واغتصبوا النساء والأطفال ومثلوا بجثثهم وتركوها في العراء لتعبث بها الطيور والكلاب. هزت تلك المجزرة الوحشية الضمير العالمي وحتى الأمريكي، وقدم قرابة العشرين من المشاركين في تلك المجزرة إلى المحكمة، ولكنها حكمت على واحد منهم فقط بالسجن مدى الحياة، وهنا تدخل الرئيس ريتشارد نيكسون لتخفيف الحكم إلى ثلاث سنين تحت الإقامة الجبرية في منزله، وإلى هنا بلغت عدالة أمريكا التي تدعي الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
ترى كم من المجازر التي قامت بها إسرائيل منذ تأسيس كيانها الغاصب وإلى يومنا هذا ولم يرف جفن للمجتمع الدولي لهذه المجازر؟ وأسوأ هذه المجازر حرب غزة المستعرة الآن التي استعملت فيها إسرائيل أشد الأسلحة فتكا ومنها القنابل الفوسفورية الحارقة، كل ذلك بمباركة سيدتها أمريكا ومن يدور في فلكها من دول أوروبا. وماذا نتوقع من أمريكا وهي التي أبادت الهنود الحمر واسقطت القنبلة النووية على هيروشيما ودمرت فيتنام. أين التشدق بحقوق الأنسان وحماية المدنيين التي صدعوا بها رؤوسنا والقذائف تسقط ليل نهار على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، ولم تسلم منها حتى المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. وكم من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى يجب أن يموتوا مقطعي الأوصال ليتحرك ضمير الساسة ويوقفوا هذا النزيف الدموي المستمر! كل هذا القتل المريع للأبرياء والتدمير المتعمد لكل شيء ولم يستطع جيش الإحتلال الصهيوني أن يأسر ولو عشرة من منظمة حماس. ولكن سقط القناع والحمد لله عن ذلك الوجه القبيح الذي ادعى أنه واحة الحرية والديمقراطية والتقدم في الشرق الأوسط، وإذا هو كيان طافح بالأكاذيب وإذا العالم كله يطلع على جرائمهم وكذبهم وتزويرهم لكل الحقائق، وإذا بالشعوب تهب في كل بقاع الأرض نصرة لفلسطين ولأطفال غزة ونسائها وشيوخها. وإذا العالم كله إعجاب بهذا الشعب الصامد الذي وقف في وجه أشد الأسلحة فتكا ودمارا، وإذا الساسة الذين ساندوا العدوان يتحيرون في مواقفهم وهم يرون الأكاذيب تفتضح أمام أعينهم ويرون شعوبهم ترفع أصواتها عاليا لنصرة فلسطين. وإذا أعلام فلسطين يرفعها الآلاف عاليا في مظاهرات تعدت مئات الألوف في قلب العواصم الغربية، ولم نر علما إسرائيليا أو شعارا واحدا يرفع في الشوارع دفاعا عن إسرائيل. إن غزة أيقظت العالم من نومه العميق وهزت أعماقه فكشفت زيف ونفاق الساسة والسياسيين فلم يعد أحد يصدقهم، إن غزة وكفاحها وصبرها وصمودها قد ايقظت في نفوسنا الأمل وجعلتنا نرى ولو بصيصا من نور في هذا الطريق المظلم الذي وجدت البشرية نفسها فيه، وحتى لو كان للباطل جولة هذه المرة فإن للحق جولات وجولات حتى يسفر صبح الحرية فيطرد قوى الظلام خاسئة مهزومة.
د.عدنان هاشم