بمناسبة مرور ٧٦ على نكبة فلسطين حرب النكبة عام ١٩٤٨
اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس
بمناسبة مرور ٧٦ على نكبة فلسطين حرب النكبة عام ١٩٤٨
مدخل
يصادف اليوم 15 / مايس 2024 الذكرى السادسة والسبعون لاقتطاع فلسطين من العالم العربي وانشاء دولة إسرائيل ، وابتداء سلسلة الحروب والمشاكل والأزمات جراء زرع هذا الكيان الغريب والغاصب في قلب الوطن العربي، وعدم اكتفاء هذا الكيان بما حصل عليه بل باستمرار القمع والتوسع والقتل وارتكاب الجرائم اللاإنسانية بحق ليس الفلسطينيين اهل البلاد وحسب ، بل بحق كل من يتجرأ ويعرضه ، وما الحرب في غزة التي تدور منذ اكثر من 6 اشهر ببعيدة عنا والتي نتج عنها تدمير شامل لغزة العرب ويظهر ذلك بوضوح خطط إسرائيل للاستيلاء نهائيا على القطاع وتحويله الى اراضي سكنية لمستوطنيهم حال انتهاء الحرب واستقرار الموقف . والأمر واضح ومعروف لكل متابع. ولتذكر هذا الموضوع الحيوي، وجدت من المناسب ان ابين ادناه بعض جوانب الجولة الأولى من الصراع العربي الإسرائيلي والتي ابتدأت عم 1948، وانتهت عام 1949 ، مع ترسيخ الكيان الإسرائيلي وابتداء مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الشرق الأوسط اتسمت بالصراع والحروب وعدم الاستقرار، بسبب إيجاد إسرائيل في المنطقة.
نظرة عامة
إذا ما نظرنا الى الجوانب المتصارعة في هذه الحرب بشكل عام لرأيناها بشكل أساس تنقسم الى ثلاث جوانب هي الجانب العربي الذي يضم الدول العربية التي شاركت في الحرب وهي كل من العراق والأردن وسوريا ولبنان ومصر والسعودية ، والجانب اليهودي والذي تشكلت منه دولة إسرائيل عشية إعلانها يوم 15/ مايس/ 1948، والجانب الدولي الذي يضم بشكل أساسي كل من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا، والى حد ما الاتحاد السوفياتي ، وباقي الدول الاوربية التي خرجت من الحرب العالمية الثانية وفيها الكثيرون جدا من مشردي تلك الحرب ولاسيما اليهود الالمان الذين نجوا من ويلات النظام النازي، ولم يبق لهم رغبة في العيش في أوروبا ودولها التي تمتلك الكثير من الأسلحة من مخلفات تلك الحرب، والمقاتلون سواء كانوا يهودا أم لا ذوي الخبرة في القتال. أقول اذا ما نظرنا الى الأطراف المتصارعة بهذا الشكل وتفحصنا مواقفها وتصرفاتها بضوء المعطيات التاريخية والايدلوجية والسياسية والعسكرية، يمكننا ان نرى أسباب فشل الجانب العربي في هذه الحرب ، وضياع اكثر من نصف فلسطين، وهي الأرض العربية والتاريخية التي تضم المقدسات الدينية للأديان السماوية الثلاث، والتي جاء الصهاينة فاستوطنوها، ومن بعد ذلك ادعوا ملكيتهم لها، ومن ثم ناضلوا في سبيلها على كافة الصعد، وتمكنوا من الحصول على القرار الاممي بتقسيمها بينهم وبين العرب، ثم قاتلوا في سبيلها وانتزعوا الكثير من المناطق التي كانت مخصصة للعرب بموجب قرار التقسيم الجائر، واسسوا دولتهم هناك، وربحوا الجولة الأولى من هذا السفر للصراع المرير، والذي نرى نتيجته ونحن في عام 2024 ، أي بعد 76 عاما من انتهاء تلك الحرب، وقد ضاعت فلسطين كلها، وتشرذم شعبها ، مع بقاء المرابطون منهم في فلسطين وتحولوا من مواطنين في دولة عربية هي دولة فلسطين ( المزعومة) الى مواطنين في دولة إسرائيل ( القوة النووية ) والتي تسعى الى تحقيق حلمها التوراتي ( من النيل الى الفرات ارضك يا إسرائيل). على أن الفلسطينيين ما زالوا يقاومون ويناضلون ويكافحون في سبيل استرداد ما سُلب من وطنهم وحقوقهم، بالرغم من كل ما حدث. وهكذا نصل الى موضوع الخاتمة التي اود ان انهي بها هذا الكتاب لإيضاح او لتلمس أسباب الفشل الأول في حرب عام 1948 في فلسطين والذي أدى الى ما نحن عليه الان . ولكن من الضروري ان نتفهم أسباب خسارة الدول العربية لتلك الحرب ولاسيما الجيل العربي الجديد من الشباب لكي لا تنسى هذه القضية ابدا .
أساس القضية تكوين الحركة الصهيوينة وتاثيرها على الحرب العربية الإسرائيلية الأولى
عاش اليهود كمواطنين في جميع دول العالم تقريبا، لكنهم تمركزوا في دول معينة ذات نفوذ سياسي واقتصادي، وامتازوا بتفوقهم في مجالات الاقتصاد والفن ووسائل النشر، فاصبح لهم نفوذ في هذه الدول، سِيَّما وانهم كانوا يشعرون بتميزهم عن غيرهم وتمسكهم بتعاليم دينهم. وقد أدى ذلك الى انعزالهم عن المجتمعات التي يعيشون فيها، وشعورهم بالغربة بالرغم من كونهم مواطنين في تلك الدول. وقد ذهب بعض المتدينين منهم للاستيطان في مستعمرات زراعية في فلسطين منذ عام 1740. وبموجب هذه المعتقدات نشأت الحركة الصهيونية، كفكرة دينية أولا طرحها الصهيوني هرتزل في نهاية القرن التاسع عشر، ثم تحولت الى فكرة سياسية عندما عُقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897. وكان من اهداف هذا المؤتمر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومن هنا انطلقت الجهود المنسقة والمنظمة لتحقيق هذا الهدف. وكان اول مؤتمر تبني ذلك هو المؤتمر الصهيوني الذي أطلق الأيدلوجية الصهيونية وعرّفها وبيّن ملامحها وحدودها، والتي بُني عليها المشروع السياسي الصهيوني، وتم تحديد هدفه المركزي بإقامة الوطن القومي لليهود. ومن هذا المشروع السياسي وُضعت الاستراتيجية العامة لتحقيقه والحصول على أهدافه، ومن هذه الاستراتيجية العامة انبثقت الاستراتيجيات المتعددة واولها الاستراتيجية السياسية، والاستراتيجية الاجتماعية والاستراتيجية الاقتصادية والاستراتيجية العسكرية. وهذا لعمري تسلسل علمي واضح وقابل للتنفيذ كما اثبتت الوقائع. انطلقت فعاليات المنظمة/ المنظمات الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر على هذا الأساس .
وعد بلفور بداية الاتفاق الدولي لإنشاء كيان صهيوني في فلسطين
يعلم الجميع ان هذا الوعد الذي أصدره اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني عام 1917، كان له الأثر البالغ في إضفاء الشرعية على حركات الهجرة اليهودية الى فلسطين التي تزايدت كثيرا في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين التي كانت احدى غنائم الحرب العالمية الأولى التي حصلت عليها بريطانيا جراء تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى . ولا نريد التوسع في الموضوع، فهناك الكثير من المراجع التي كتبت عنه، الى ان جاءت السنوات الأولى للقرن العشرين حيث تأسست الوكالة اليهودية في فلسطين عام 1920، وكانت بمثابة حكومة تدير شؤون المستوطنين اليهود في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، والذي لعبت فيه بريطانيا الدور الأكبر في انشاء الدولة اليهودية ورعت رغبة دولية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين والتخلص منهم ومن بقاياهم في أوروبا. وهكذا أصبحت هذه الوكالة هي المسؤولة عن إدارة الاستراتيجيات التي سبق وبيناها، ومنها استراتيجية الاستيطان، والاستراتيجية العسكرية، والتي بموجبها تم انشاء وتكوين جيش الإحتلال الصهيوني. وهناك أيضا اكثير من المصادر التي تتناول هذا الموضوع.
صدور قرار التقسيم ونهاية الانتداب ونشوب الحرب في فلسطين
من يتابع هذا المسلسل يرى بوضوح تطبيق الاستراتيجية السياسية الدولية، ومن ثم الاستراتيجية السياسية الصهيونية وبعدها الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المتدرجة في فلسطين. حيث ساهمت الجهود الدولية والجهود اليهودية في حث الأمم المتحدة على اصدار قرار التقسيم وانهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد رُفض القرار من قبل العرب جملةً وتفصيلاً، لكن الإرادة الدولية ممثلة بالدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية اكدت على ضرورة إقامة كيان يهودي ، بل دولة عبرية على جزء من ارض فلسطين، فصدر القرار، وكانت نية الدول الكبرى مصممة على تطبيقه. استغل اليهود الفترة بين صدور قرار التقسيم في 29/11/ 1947 وبين موعد انتهاء الانتداب البريطاني يوم 15/5 / 1948 في الاستيلاء على الكثير من المدن المخصصة للجانب العربي والأراضي الحيوية والمسيطرة الى ما سيكون دولتهم، مستفيدين من التنظيمات العسكرية التي اقاموها في فلسطين والتي كانت الهاجانا أساسها. وما ان حل يوم 15 / 5 / 1948، حتى أُعلن قيام دولة إسرائيل التي اعترفت بها الدول العظمى مباشرة ( أمريكا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا ) وتبعتهم الكثير من دول العالم ، وأُعلن تأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي ، والذي كانت قواته جاهزة وبقوة 9 الوية مقاتلة موزعة في جميع انحاء فلسطين.
الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل والعرب عام 1948
واستمر تطبيق الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، تطبيقاً يكاد يكون اكاديمياً. حيث كانت تعمل على الخطوط الداخلية بينما كان العرب يعملون على الخطوط الخارجية، وبالتالي كانت خطة اليهود تثبيت قسم من القوات العربية ومهاجمة قوات أخرى، وتجلى هذا في فترة القتال الأول، حيث ركزت الجهود على منطقة القدس وحواليها، وفتح الطريق بين القدس وتل ابيب، وتأمين القسم الشمالي مما أصبح يعرف بالضفة الغربية، واحتلال باقي المدن العربية المهمة كحيفا ويافا واللد والرملة والناصرة وعكا وغيرها. ثم جاءت بعد ذلك الهدنة الأولى التي استغلتها إسرائيل واليهود لتعزيز جيشهم بالرجال وبالأسلحة والمعدات الحديثة لاسيما الطائرات بأنواعها وطياريها والدروع والمدفعية، بالاستفادة من شبكة المشتريات التي انشاؤها في أوروبا، وبالتعاون مع الحكومات الغربية وامريكا والاتحاد السوفياتي، او بغض النظر عن تلك الجهود التي قد تخالف قرارات الأمم المتحدة الذي فرضت فيه الأمم المتحدة منع تزويد الجوانب المتقاتلة بالسلاح ما أدى إلى امتناع بريطانيا عن تزويد الجيش العراقي بحاجته من الأسلحة ولاسيما الطائرات. وهكذا استمرت الفعاليات الإسرائيلية بموجب خطتها الاستراتيجية.
الموقف العربي واداؤه السياسي والاستراتيجي
كانت الدول العربية التي قاتلت جيوشها في فلسطين والتي بيناها سابقا، تحت تاثير الاستعمار البريطاني الذي عانت منه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية. بل ان العراق وسوريا ولبنان والأردن والسعودية لم تكن قد أصبحت دولاً في عام 1918 أي عند نهاية الحرب العالمية الأولى. والتاريخ معروف بالنسبة لتاريخ تأسيس الدول العربية المشار اليها، عدا مصر ، التي كانت موجودة كدولة كبيرة ومستقرة. المهم بالأمر ان الدول العربية التي دخلت الحرب كانت اعمارها لا تتجاوز العشرين عاماً وهي فترة لا تذكر في اعمار الدول المستقلة، علاوة على انها كانت، إما قد نالت استقلالها تواً كما في العراق الذي استقل عام 1932، او أنها مازالت فعليا تحت النفوذ البريطاني كما في شرق الأردن. وكان النفوذ البريطاني طاغيا وبارزا في التأثير على سياسة وجيوش الدول العربية من حيث التسليح والتدريب والتجهيز والتنظيم. اما حكومات هذه الدول وانظمتها السياسية فكانت أيضا في طور التكون و النضوج، كذلك نظامها الإداري. يقابل ذلك الشعب العربي في تلك الدول والذي تميز بشعوره القومي العالي واحساسه بوحدة المصير العربي ومتأثرا بالثورة العربية الكبرى للشريف حسين في الحجاز، ومطالبته بتكوين دولة عربية يسندها الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتي نكثت بوعودها فيها كل من بريطانيا وفرنسا كما هو معلوم تاريخيا . اذن فالدول العربية التي شاركت في الحرب لم تكن قد بلغت درجة النضج السياسي بالدرجة الكافية، ولم يكن هناك ما يجمعها سياسيا، الا الجامعة العربية التي كانت حديثة التكوين ( تأسست في اذار عام 1945 )، لذا فلم يكن هناك وجود لكيان مركزي ذو سلطة تنفيذية، يمتلك ايدلوجية واضحة تنطلق منه مشاريع سياسية قابلة للتنفيذ ولا استراتيجية شاملة تشمل الجانب العربي موضوع البحث ، ولا استراتيجيات متفرعة منه ، ناهيك عن عدم وجود استراتيجية عسكرية ، كما كان الجانب الإسرائيلي يمتلك . ولعل هذا كان اهم نقص ونقطة ضعف لدى الجانب العربي، والتي اثرت على الأداء العربي ككل سواء في المستوى السياسي او الميداني، بالرغم من ان العرب لجأوا الى الجامعة العربية لكي تكون بمثابة قيادتهم العليا الموحدة، لكن ذلك اللجوء كان شكلياً فقط، اذا لم تنفذ الدول العربية مقررات الجامعة العربية ولا مقررات لجنتها العسكرية، بل كانت المقررات تصدر وتبقى حبراً على ورق .
لماذا ذهبت الجيوش العربية الى فلسطين ؟ وما هي مهمتها؟
لقد دخل الجانب العربي الحرب بعد تردد كبير، ولم تًرسل الجيوش العربية الى فلسطين الا في وقت متأخر جدا، وبعد ان بين وزير الخارجية البريطاني (ارنست بيفن) في اجتماع لندن مع وزراء الخارجية العرب، بعد قرار التقسيم / ان على الدول العربية ان تبعث بجيوشها للقتال في فلسطين ، للمحافظة على المناطق التي خًصصت للعرب، وحمايتها من ان تبتلعها إسرائيل . ويلاحظ القارئ الكريم هنا المغزى السياسي الحقيقي من ذهاب الجيوش العربية الى فلسطين، فلم تكن الغاية منع قيام إسرائيل او القاء اليهود في البحر كما صورته الدعايات الصهيونية وما تزال، بل ان الغاية الحقيقية كانت الحفاظ على ما تم تخصيصه للعرب من أراضي بموجب قرار التقسيم. لكن هذه الغاية الحقيقة لم يتم الإعلان عنها مطلقا آنذاك ، بل ان قرارات الجامعة العربية كانت تنص أولا على قيام التنظيمات الفلسطينية من المتطوعين وتشكيل جيش الإنقاذ لقتال الصهاينة ، ومن ثم جاء قرار اشراك الجيوش العربية وكأنه اتخذ على استيحاء .أما على المستوى السياسي فلم تكن العلاقات على احسن ما يرام بين الحكومات العربية نفسها، لذا كانت الجيوش العربية التي دخلت فلسطين تعمل بإمرة حكوماتها وليس بإمرة قيادة موحدة، وهكذا تم القرار على سوقها وسيقت فعلاً ولكن بقيت من دون قيادة مركزية واحدة تدير دفة الحرب والمعارك.
الإداء الميداني العسكري لكل من القوات العربية والقوات الإسرائيلية.
على الجانب العربي
- فقدان وحدة القيادة .
- عدم وجود استراتيجية عسكرية موحدة، والظاهر ان الحكام العرب كانت تنقصهم الصراحة والجرأة للإفصاح عن حقيقة الغرض الذي يستهدفونه. وفي برقية الأمين العام للجامعة العربية التي اعلن فيها التدخل العربي خير دليل على غموض الهدف: ( إن الحكومات العربية تجد نفسها مضطرة للتدخل لهدف واحد هو اعادة السلام والطمأنينة وحماية القانون والنظام في فلسطين)، وهذا لعمري هدف عام واسع علاوة على كونه غامض لم تحدد مكوناته ولا المهام التي تتفرع عنه لتنفيذه، لكنه ينسجم مع الهدف السياسي الدولي والرغبة الدولية في اقامة الكيان الصهيوني في فلسطين كما اسلفنا.
- إخفاء المعلومات وعدم تداولها في وقتها بين الجيوش العربية.
- عدم الاخذ برأي القادة العسكريين: بعد أن صدر قرار اشتراك الجيوش العربية النظامية انعقد في (عمان) يوم 30 نیسان 1948 أول مؤتمر عسكري حضره رؤساء أركان الجيوش العربية وحضره رئيس اللجنة العسكرية والأمين العام للجامعة العربية لتدارس الموقف العسكري. ورغم ان ذلك جاء متأخرا، ورغم اجماع العسكريين على اتخاذ قرار يخص (عدد الفرق العسكرية والأسراب الجوية المطلوبة والتأكيد على ضرورة توحيد القيادة العسكرية واستخدام القوات وفق خطط القيادة.. الخ) إلا أن السياسيين استكثروا عدد القوات المطلوبة واعتبروا أن في ذلك كثيرا من المغالاة والحذر، وبقيت قضية القيادة مقتصرة على السيطرة على المتطوعين (جيش الإنقاذ) فقط. وهكذا لم تحصل النتيجة المرجوة من المؤتمر العسكري إذ لم تصدر قرارات الجامعة العربية وفق توصيات العسكريين.
- وعند انعقاد مؤتمر الجامعة العربية في (دمشق) يوم 10 مايس 1948 لاقرار خطة الحركات الموحدة، وُضعت اسس الخطة واتخذت قرارات شفهية دون أن يكون لرأي القادة العسكريين المقام الأول في ذلك، فأدى ذلك إلى ان تفاجئ الجيوش العربية بخطة جديدة صدرت قبل ثمان واربعين ساعة من الاشتباك الفعلي، ولم تكن الخطة النهائية تتفق ومبادئ الحرب وانما كانت تستهدف أغراض السياسات العليا (الغامضة) وليس وفق تقادير موقف وخطط الخبراء والقادة العسكريين.
- وفي مجال تعبئة التشكيلات والوحدات المقاتلة، فهي أيضاً استخدمت دون أخذ رأى الأمرين.
- اجراء العمليات بشكل مستقل لكل جيش وبدون تنسيق مع الجيوش الأخرى.
- لجوء الجيوش العربية الى اتخاذ وضعية الدفاع منذ البداية، وعدم القيام بالعمليات التعرضية كما كان كان المفروض بذلك. وقد تحولت الجيوش العربية الى وضع الدفاع منذ الأسبوع الثاني للقتال الأول أي في حزيران 1948، حيث توقفت الجيوش العربية عن الحركات التعرضية الواسعة واقتصرت أعمالها - تقريبا - على واجبات الدفاع عن المناطق الموزعة فيها القوات رغم انها لم تتكبد خسائر فادحة تستوجب ذلك التوقف وكان بالاستطاعة ضمان التفوق العددي والتفوق بالسلاح بزج وحدات عربية نظامية أخرى في المعركة. ان التوقف اتاح للعدو فرصة لم يكن يتوقعها فاستغلها وغدت فيما بعد احدى نقاط التحول في الحرب، ومن المعلوم ان اتخاذ الموقف الدفاعي يجعل الامل مستحيلا لنيل الظفر بالقتال مالم يقرن الدفاع بحركة تعرضية. والأكثر من ذلك انه لم تقم مشاورات بين هيئات أركان الجيوش الـعربية لتوحيد خطط المدافعين أو تنسيقها وحشد مواردهم لضمان اكبر فائدة ممكنة، بينما كانت خطط الإسرائيليين تتميز بأفضلية المهاجم وهي تصدر عن قيادة واحدة، فجعل ذلك فوائد المبادأة بالعمل في جانبهم.
- ساهمت بعض الدول العربية بان اشركت وحدات عسكرية - في البداية- شبه رمزية غير قادرة على الاندفاع تـجاه اية مقاومة جدية يبديها العدو.. ومعلوم ان النصر لا يمكن ان يتحقق الا بالتعرض .
- نقصان الذخيرة والعتاد وتأثير امتناع الدول المصدرة عن تزويد العرب بها، كما فعلت بريطانيا مع القوة الجوية العراقية.
- التمسك بأوامر إيقاف النار ، تمسكا كاملا وتتضح درجة تمسك العرب بالمواثيق وبتلك الأوامر، ودرجة مخالفة الصهاينة لها - كما حدث في تجاوزاتهم المتعددة على رتل المجامع وهو في شرقي الأردن واطلاقهم النيران على تل الردغة في منطقة غور بيسان، وتل الذهب وتل ابو قدوس في قطاع جنين، واحتلالهم تل حنفيش في أيام ايقاف النار، وتحرشاتهم بفتح النار وبتقديم الدوريات وبأعمال التسلل في جبهة طولكرم وقلقيلية وكفر قاسم ودير نظام، وقيامهم بخرق المجـال الجوي للاستطلاع الجوي وأعمال القصف أحيانا. هذا بالنسبة إلى الجبهات العراقية أما في الجبهات العربية الأخرى فيمكن ان نذكر على سبيل المثال الغارة الإسرائيلية الواسعة على الخطوط المصرية من الفالوجة حتى غزة يوم 1948/10/14.
- ان مخالفات العدو كانت متعددة وواسعة احيانا بحيث يمكن التذرع بها في أي وقت لكي تقوم الجيوش العربية بأعمال تعرضية مقابلة.
- عدم وجود قوات جوية مؤثرة وفقدان عنصر الاسناد الجوي وفقدان التفوق الجوي وضعف أسلحة مقاومة الطائرات فقد اتضح في أيام القتال الثاني في تموز 1948 ان التفوق الجوي قد أصبح بجانب الإسرائيليين وان القوات العراقية والعربية (الأرضية) باتت ضعيفة تجاه الطائرات المعادية لان أسلحة مقاومة الطائرات كانت تقتصر في افـواج المشاة على الرشاشات الخفيفة التي تكاد لا تؤثر خاصة تجاه الطائرات من نوع (القلاع الطائرة) وأن مدافع مقاومة الطائرات الملحقة بجحافل الالوية وهي من عيار 20 ملمترا كانت قليلة جدا فهي لم تتجاوز أربعة مدافع مع كل جحفل لواء.
- لقد كان من الضروري - في ذلك الوقت - تسليح افواج المشاة بسلاح لمقاومة الطائرات أقوى من الرشاشات الخفيفة، وإلحاق بطرية مدفعية مقاومة الطائرات (كاملة) على الاقل مع كل جحفل لواء، وتخصيص بطرية أو أكثر لحماية مقر القيادة، وبطرية أخرى للأكداس الرئيسية لخط المواصلات. وبطرية غيرها للقاعدة الجوية في المفرق، وعندئذ يصبح بإمكان هـذه البطريات ان تقوم بحماية المدن الرئيسية التي تقع في مناطق مسؤوليـة القيادة العراقية فيما إذا لم يكن بالإمكان تخصيص مدافع خاصة لهــذا الواجب.
- عدم امتلاك الجيوش العربية للخبرة القتالية، عدا الجيش العراقي الذي كان يمتلك مثل هذه الخبرة، لأنه دخل المعارك والقتال بمختلف اشكاله منذ أوائل أيام تأسيسه وحتى عام 1945. بينما لم تمتلك الجيوش الأخرى مثل هذه الخبرة ولاسيما الجيش المصري الذي كان اكبر الجيوش عددا وعدة، لكنه بدون خبرة قتالية. كانت الخبرة القتالية لدى الجيوش العربية خبرة محلية، وليس على المستوى العالمي.
- التفوق العددي في البداية كان مع الجانب العربي، لكن تفرق الجيوش العربية أدى الى ان يؤمن الصهاينة التفوق العددي في جميع معاركهم على الجانب العربي، وتجلى ذلك في تعرضهم على الجيش المصري فيما عرف بعملية (يؤاف) وتحشيده ما مقداره 15000 مقاتل ضمن ستة الوية للتعرض على الجيش المصري في النقب قبيل الهدنة الاخيرة.
العوامل الإدارية واللوجستية:
- لقد كان الوضع اللوجستي للقوات الإسرائيلية في تحسن مستمر بفضل بقاء الطريق البحري الذي يربطهم بجميع القواعد الاوربية والامريكية مفتوحا وبفضل سياستهم واتصالاتهم الدولية والمساعدات التي كانت تتوارد اليهم من دول المعسكرين الشرقي والغربي.
- اما الجيوش العربية فرغم ان حدود دولها تحيط بمنطقة القتال من ثلاث جهات، وامكانيات الدعم اللوجستي متيسرة، كان واقع الحال ان المشاكل الادارية لتلك الجيوش تتزايد يوما بعد يوم. فالأعتدة وبصورة خاصة قنابل المدفعية والطائرات، والادوات الاحتياطية للآليات والأسلحة كانت في تناقص مستمر وبدون تعويض. وظلت مشكلة نقص الأسلحة والاعتدة والطائرات تذكر حتى نهاية العمليات العسكرية، في كل التقارير التي رفعها العسكريون إلى الجهات المسؤولة.
- وهكذا فان الحملة كانت مثالا سيئا في تهيئة الأمة للحرب، وفي سَوْق الجيش، والدقة في وضع الخطط وأحكام تفاصيلها. رغم ان المعارك – عندما اتيحت فرصة القتال في بعض المواقف - كانت مثالا للكفاءة وللتضحية والبطولة الفردية.
الجانب الإسرائيلي
- امتلاك ضباطه وقادته الخبرة القتالية للحروب الحديثة نتيجة خدمتهم السابقة في جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
- امتلاك عقيدة قتالية حديثة لإدارة حركات سيارة وآلية.
- امتلاك القوة الجوية والتي أصبحت مؤثرة منذ نهاية الهدنة الأولى بوصول المقاتلات بأنواعها لاسيما مسرز شمت الألمانية الكفوءة وطياريها ، ومن ثم القاصفات الاستراتيجية نوع B-17 الامريكية، مما مكنهم من قصف كل من دمشق والقاهرة مرات متعددة .
- تأمين التفوق العددي في جميع معاركهم.
- امتلاك خطة سوقية واهداف واضحة.
- العمل التعرضي دوما والحرص على الاحتفاظ بالمبادءة.
- تميز القادة العسكريون الإسرائيليون الشبان بالروح التعرضية والديناميكية التي برزت في عمليات النقب وسيناء بشكل خاص.
خلاصة واستنتاج
أما ونحن في عام 2024، نستذكر الحروب العربية الإسرائيلية التي أعقبت الجولة الأولى في عام 1948 ، والتي كانت آخرها حرب عام 1973 على مستوى الدول العربية وإسرائيل، والتي اعادت الثقة الى المقاتل العربي بقدراته فيما لو احسنت قيادته والاستعدادات ، فاننا نعيش ومنذ يوم 7 أكتوبر عام 2003 ، حربا قائمة شرسة لا إنسانية بين المقاومة الفلسطينية الممثلة في غزة وبين إسرائيل بكل جبروتها وقوتها وغطرستها والتي تبين أيضا تغول إسرائيل وعدواناها المتكرر على الدول العربية المحيطة بها، ولجوئها الى القوة المسلحة لحل مشكلاتها وتأمين حدود الأراضي التي اغتصبتها من العرب، بل وضمان تفوقها على العرب مجتمعين من خلال التفوق التكنلوجي عليهم في جميع المجالات ، حيث أصبحت اليوم القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتمتلك قوة الردع المؤثرة على العرب اجمعين ، بل على المنطقة ككل، علاوة على التفوق السياسي ، بإقامة وادامة الاحلاف الوثيقة بالغرب، بل ان الغرب وحكوماته يمكن ان يقال انهم خاضعون لنفوذ إسرائيل واللوبيات المؤيدة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا اللتان كانتا السبب الأول لانشاء إسرائيل والراعي الأكبر لبقائها. وفي الوقت الذي لايمكننا التوسع في بحث هذه الحرب ونتائجها لانها ما زالت قائمة لحظة كتابة هذه السطور، يمكننا القول انه وبعد ان حدث ما حدث للوطن العربي ووصلنا الى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أي بعد 76 عاما من النكبة في فلسطين، نرى ان العرب مازالوا لم يستوعبوا الدرس الأبلغ، الا وهو ان سبب هزائمهم وخسائرهم وضعفهم هو فقدان وحدتهم، وليس المقصود وحدتهم ككيانات سياسية او جغرافية، بل وحدة كلمتهم وتعاضدهم لتحقيق أهدافهم المشتركة . ومتى ما تحقق هذا فسنرى ان الأمور سوف تُصحح وتسير في سياقها السليم، على الرغم من التفوق الإسرائيلي التكنلوجي والسياسي والعسكري. ونحن الى ذلك اليوم لمنتظرون والأمل في اجيالنا الجديدة ان شاء الله.