من سيفوز برئاسة أميركا في ٢٠٢٤؟.. حقائق عن التنبؤ المعقد
تتسابق وسائل الإعلام ومراكز البحوث على التنبؤ بمن سيفوز بانتخابات لارئاسة الأميركية
الحرة - واشنطن:ما يجري يوم الاقتراع لانتخابات الرئاسة الأميركية يثير اهتمام العالم، إذ تنشغل كبريات المحطات الأميركية ووكالات الأنباء العالمية بعرض شاشات مليئة بروسومات الغرافيكس، والخرائط التي تتبدل فيها الأرقام كل دقيقة.
تتميز تلك الشاشات بأنها مقسومة بين لونين، الأزرق الذي يرمز للمرشح الرئاسي الديمقراطي، والأحمر رمز المرشح الرئاسي الجمهوري.
في يوم الاقتراع، ومنذ أن تفتح صناديق الاقتراع أبوابها ينطلق سباق آخر مثير للاهتمام وشيق، إنه سباق التوقعات: من سيفوز برئاسة أميركا؟ فهناك فائز برئاسة أميركا، وفائز آخر بسبق إعلان النتيجة.
قبل شهور من يوم الاقتراع في نوفمبر، تعمل المحطات الإعلامية ووكالات الأنباء العالمية على تجهيز فريق من الخبراء ومحترفي الإحصاء يدعمهم فريق من الباحثين الميدانيين، وكلهم يبحثون عن السبق لإعلان المرشح الفائز برئاسة الولايات المتحدة، وكلهم يريدون أن يكونوا الفائزين.
تعد الاستطلاعات وتنبؤات نتائج التصويت صناعة معقدة، ويعمل عليها خبراء وشركات مجتمعة، وتنفق عليها ميزانيات كبيرة، وهامش الخطأ فيها ضيق جدا إن لم يكن معدوما.
تجربة
لنأخذ شبكة "سي.أن.أن" مثالا لشرح هذه العملية. العالم يراقب شاشة هذه الشبكة الأميركية الضخمة، وتلفت انتباه المتابعين خرائط ورسوم الغرافيكس، فهل فكرت يوما في السؤال: كيف تصنع "سي.أن.أن" كل هذا الجهد؟
قبل يوم الاقتراع بأشهر، يبدأ خبراء الانتخابات العمل في أروقة الشبكة والإعداد لخطة تشمل تفاصيل الإجراءات الإحصائية العلمية التي سيتم اعتمادها لإجراء تقديرات لعدد الأصوات النهائية في كل سباق رئاسي.
يرافق ذلك إقرار مجموعة من القواعد الصارمة التي تتبناها الشبكة. على سبيل المثال، لا تعلن اسم الفائز برئاسة أميركا إلا بعد مراجعة شاملة وصارمة للبيانات من عدد من المصادر، وإجراء اختبارات على ثبات النتيجة.
وتحظر السياسة التحريرية لشبكة "سي.أن.أن" بشكل صارم إعلان الفائزين على مستوى الولاية قبل الموعد المقرر لإغلاق جميع صناديق الاقتراع في كل دائرة انتخابية.
كيف يجمع الراصدون البيانات؟
عادة ما توفر الشبكات ووكالات الأنباء العالمية مثل أسوشيتد برس ورويترز وفرانس برس بيانات عن إجمالي الأصوات أولا بأول.
هذه الوكالات تجمع الأرقام والبيانات عبر المراسلين الموزعين في كل مقاطعة أو ولاية، حيث يتابع هؤلاء عملية التصويت بشكل دقيق.
لكن الوكالات الإخبارية العالمية والمؤسسات الإعلامية لا يمكنها إجراء بعض العمليات الإحصائية المعقدة، لذا يدخل لاعب آخر على هذه المشاهد المعقد، وهو المراكز البحثية المتخصصة في الإحصاءات، مثل مركز إيدسون للأبحاث، الذي يجمع الملعومات التي توفرها الوكالات والمراسلون، ويعمل على معالجتها وتقييمها الخبراء.
يساهم مركز إيدسون والمراكز المشابهة له بالمهمة الأكثر تعقيدا، وهي توقع الفائز بالانتخابات قبل الإعلان عن النتائج الرسمية.
ما تقوم به هذه المراكز المتخصصة هو إجراء استطلاعات رأي تستهدف الناخبين الخارجين من مراكز التصويت. وهذا النوع من الاستطلاعات معروف باسم (مسح اقتراع الناخبين) أو (Exit Poll).
كيف يجري مسح اقتراع الناخبين؟
تنشر المراكز المتخصصة في مسوحات اقتراع الناخبين مندوبين تابعين لها في مراكز الاقتراع التي يتم اختيارها لتمثل عينة من الناخبين.
في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لا يمكن نشر مندوبين لإجراء المسوحات في كل المراكز الانتخابية لأن عددها كبير جدا، وبدلا من ذلك يتم اختيار عينة عشوائية من المراكز ليشملها المسح.
الاختيار العشوائي للدوائر الانتخابية التي تشملها العينة يتم بأسلوب يشبه عملية "اليانصيب". هذه المنهجية العلمية في تحديد المشمولين بالعينة، تعطي لكل دائرة انتخابية في الولايات المتحدة فرصة متساوية لتكون في العينة.
وهذا النهج العلمي العشوائي في اختيار العينة يمنح النتائج صدقية أكثر، لأن الاختيار العشوائي بما يضمن منح كل دائرة انتخابية فرصة متساوية لتكون ضمن العينة، يعني أن الاختيار لا يتم وفق أغراض أو معايير محددة مثل اختيار مناطق انتخابية مؤثرة أو رئيسية.
والأهم أنه لا يمكن التعامل مع النتائج بشكل مجزأ، فكل مركز انتخابي لا يعكس التصويت في الولاية أو المنطقة، بل إن العينة مجتمعة هي التي تعطي نتائج يمكن تحليلها والاستدلال من خلالها على الفائز بالانتخابات.
في يوم الانتخابات، يقف هؤلاء الموظفين خارج الدوائر الانتخابية، في المواقع التي وقعت ضمن العينة المختارة عشوائيا.
ويعمل الفريق الضخم وفق منهجية علمية موحدة لا يجوز الخروح عنها. وهؤلاء مكلفون بسؤال الناخبين عن آرائهم حول مجموعة متنوعة من القضايا ذات الصلة، وتحدد كيفية تصويتهم، وطرح عدد من الأسئلة الديموغرافية للسماح للمراكز بتحليل أنماط التصويت حسب كل مجموعة.
جمع البيانات
باستخدام نتائج استطلاعات الرأي "مسح اقتراع الناخبين" في الدوائر الانتخابية المختارة علميا ضمن العينة، ونتائج التصويت من الوكالات الإخبارية العالمية مثل أسوشييتد برس ورويترز وفرانس برس، وعدد من تقنيات التحليل المتطورة التي يتم الاستعانة بها من المراكز المتخصصة، تستطيع وسيلة الإعلام الحصول على التوقعات الأكثر ترجيحا للفائز، وتعلنها بعد التحقق الصارم، لتقول لجمهورها من هو رئيس الولايات المتحدة، قبل أي مصدر آخر، وهذا بحد ذاته يعد نجاحا لوسيلة الإعلام المعنية.
قد لا يشعر الناخب بما يجري حوله. ففي الواقع هناك عمليات معالجة سريعة ودقيقة لمعلومات وبيانات يكون الناخب نفسه هو مصدرها.
والناخب الذي يقع عليه الاختيار في عينة الاستطلاع يعطي وقتا لا يزيد عن ثلاث دقائق للباحثين الذين ينتظرونه خارج مركز الاقتراع.
يعطي الباحثون كل ناخب يقع عليه الاختيار استبيانا بسيطا وسريعا، يستغرق إكماله دقيقة أو دقيقتين فقط. ويجيب الناخب عن أمرين أساسيين، لمن صوت، وما هي معلوماته الديمغرافية، وأي أسئلة أخرى مفيدة ومعدة مسبقا.
هذه الإجابات لا تنتظر، بل ترسل فورا إلى قاعدة بيانات في حاسوب يتبع المركز البحثي الذي يجمع ويحلل البيانات.
حين تغلق صناديق الاقتراع أبوابها، يجمع مندوبو المراكز البحثية حصيلة الأصوات من كل دائرة انتخابية مشمولة بالعينة، وهي الأصوات الفعلية التي يتم عدها بعد إغلاق صناديق الاقتراع. وينشر مسؤولو الانتخابات النتائج حتى تكون متاحة لأي شخص.
لكن هذه النتائج جزئية ومفتتة، لا تعطي مؤشرات على الفائز النهائي برئاسة أميركا ما لم تعالج إحصائيا عبر الخبراء.
وهناك مجموعة أخرى من البيانات التي تأتي من عمليات فرز الأصوات التي يشرف عليها مسؤلو الانتخابات في تلك المراكز.
في هذه المرحلة تصبح الأرقام والمعطيات المحلية أكثر اكتمالا مع إعلان مزيد من الدوائر عن نتائج الأصوات بعد الفرز.
تعمل المركز البحثية مثل مركز إيدسون على وضع نتائج تصويت المناطق الانتخابية في نماذج إحصائية. بعد ذلك يجري الخبراء عمليات تحليل تمكنهم من بناء تقديرات وتوقعات.
التوقعات
في المؤسسات الإعلامية الكبرى، مثل "سي.أن.أن"، والوكالات العالمية مثل رويترز وأسوشييتدبرس وفرانس برس يتم العمل على التحليل النهائي للنتائج للخروج بالتوقعات.
في هذه المرحلة سيقوم فريق مستقل من المحللين السياسيين والخبراء الإحصائيين بتحليل البيانات التي ستؤدي إلى القرارات النهائية بشأن التوقعات، وإعلان الفائز.
تكون هذه المرحلة حساسة، والقرارات فيها حاسمة ومصيرية بالنسبة لمصداقية المؤسسة الإعلامية أمام جمهورها.
والقرار الأهم هو متى وكيف تتتخذ القرار بشأن نتائح تحليل البيانات، والإعلان عن الفائز. وهناك عوامل تؤحذ بالاعتبار لتحديد هذا الأمر.
في السباقات الانتخابيئة الرئاسية التي تظهر تباعدا بين نتائج المرشحين، قد يكون كافيا الاعتماد على نتائج مسح الاقتراع (Exit Poll)، مع الاستناد إلى بعض المعطيات.
لكن التعقيد يظهر حين تكون النتائح متقاربة بين المرشحين، وهنا تنتظر المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية إغلاق صناديق الاقتراع، والحصول على أكبر قدر ممكن من النتائج المحلية لعمليات العد في صناديق الاقتراع، لأن هوامش الفروقات تكون ضئيلة ويصعب توقعاها، كما أن مفاجآت اللحظة الأخير قد تقلب كل شيء.
في بعض الأحيان، وحين يبدو المشهد ضبابيا، تعتمد الجهات التي تحلل المعطيات الانتخابية على مقارنة نتائج المسوحات والبيانات التي حصلت عليها يوم الاقتراع بما قدمته الاستطلاعات التي أجريت في شهور سبقت يوم الانتخابات بهدف إجراء مقارنات قد تساهم في تبديد هذا الغموض.
المناظرة الأولى بين بايدن وترامب اتسمت بالحدة
تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 زخما كونها تمثل جولة ثانية بين بايدن وترامب
في المحصلة، فإن الإعلان عن المرشح الفائز بالسباق الرئاسي يعتمد أساسا على اليقين الإحصائي قدر الإمكان، ولكن هذا لا يعني أن الخطأ لا يمكن أن يحدث، لذلك تأخذ وسيلة الإعلام والمراكز المتخصصة كل الاحتياطات للتأكد من عدم ارتكاب أي خطأ.
ويبقى الإجراء الأكثر أمانا بالنسبة لكل تلك الجهود، هو أن هذه المؤسسات الإعلامية تحرص على ألا تعلن فوزا محققا لأي من المرشحين، لأن هذا الإعلان يعود إلى مسؤولي الانتخابات، وبدلا من ذلك تقدم توقعات مبنية على أفضل تقدير لديها لمن هو الفائز برئاسة أميركا.