مشكلات في الصواريخ الإيرانية
د.ضرغام الدباغ
العدد : 408
التاريخ : أكتوبر ــ تشرين / 2024
مشكلات في استخدام الصواريخ الإيرانية
ضرغام الدباغ / برلين
3 / تشرين ــ أكتوبر / 2024
مشكلتان فنيتان في استخدام الصواريخ الإيرانية، وثالثة سياسية كارثية.
المشكلة الفنية الأولى والثانية :
هناك مشكلتان فنيتان أساسيتان :
الأولى : مشكلة الدقة .
الثانية : مشكلة المدى.
وهي مشكلة فنية تقليدية لدى كافة مصنعي الصواريخ وهي مشكلة " الدقة في التهديف" والصاروخ كمقذوف بعيد المدى تبدأ فاعلية بما يزيد عن 70 كم ، وهو المدى الأول لفئة الصواريخ من الحقبة السوفيتية المعروفة بصواريخ لونا (Lona /فروغ (Frog) " وهذه من أولى الصواريخ أرض ــ أرض السوفياتية وأفضل فئاتها (النهائية: A ; B ) يبلغ مدى أفضلها حوالي 150 كم بنسبة خطأ دائري يتراوح ما بين 50 إلى 120 متر، الرأس الحربي يزن 750 كلغ من المواد الشديدة الانفجار أو مواد كيميائية أو نووية، بدأ أنتاج أفضل الأنواع عام 1965 في الاتحاد السوفيتي صدر منه الكثير إلى دول حلف وارسو، طورت العراق نسخة من صواريخ فروغ-7 حملت اسم ليث-90 بمدى يصل إلى 120 كم ورأس حربي يحمل ذخيرة عنقودية.ومداها لا يزيد عن 70 كم. الخطأ الاساسي في هذه الصواريخ هي نسبة الخطأ العالية 50 إلى 120 متراً، وهذه نسبة كبيرة قد تحيل القيمة العملياتية إلى درجة ضعيفة وتسمى (نيران إزعاج)
أما الصاروخ السوفيتي (سكود / Scud ) فمداه يتراوح من 180 كم إلى 700 :م، ونسبة الخطأ فيه تتراوح من 3000 متراً إلى 50 متراً عند أفضل أنواعها سكود (D)، الرأس المتفجر يتراوح من 950 إلى 980 كم. صدر منها كميات كبيرة بعد أن تجاوزها الزمن إلى البدان الصديقة، التي تمكنت بعضها من تطوير مدياتها، ولكن تطوير دقة الإصابة أمر معقد أكثر من تطوير المدى، إلى أن مشكلة الدقة لم تحل، وهذا هو الجانب المعقد في صناعة الصواريخ البالستية.
وتمكنت بعض الدول (ومنها إيران) من تطوير المدى، مع رأس متفجر أقل وزناً، ولكن مشكلة الدقة لم تحل، والدليل هو الإطلاق العشوائي (تقريبا) فالقليل جداً من الصواريخ تصيب أهدافها المطلوبة، وبالتالي تقلص من قيمتها العملياتية، إلى التأثير النفسي والمعنوي. وتأثير الصوت (الدوي) والحفرة التي تخلفها في الأرض، ولكن مع تأثير قليل جداً على القوات المسلحة.
وبالطبع إذا كانت مشكلة المدى والدقة مؤثرتان لدرجة كبيرة، فإن هذا سيؤثر على مشكلة جانبية وهي مشكل حمولة الصاروخ، وفي حالة عدم الدقة وضعف المدى، فسيصعب تحميل الصاروخ بمواد غير تقليدية، كتحميل مواد : كيمياوية، نووية، بايولوجية. لأن الخطأ في إصابة الهدف، أو ربما حتى عند إطلاقها قد يتسبب بكارثة حتى على الطرف الذي يطلق الصاروخ.
الإيرانيون يحاولون تلافي هذه الثغرة المهمة، بإطلاق عدد كبير من الصواريخ، (بالمئات)، وهنا تنشب مشكلة أخرى، فهمة أسقاط الصواريخ بواسطة المضادات تصبح أسهل، ناهيك عن نسبة كبيرة منها تسقط خارج الهدف، ومع تضاؤل الخسائر البشرية والمادية .
هذه المعطيات لا تجعل من الصواريخ (من هذا النوع) كبيرة الفائدة، ولن تكون لها نتائج مؤثرة. بل هي مؤثرة نفسياً على الأرجح، وحتى العامل النفسي أن تكرر استخدام الصواريخ بكثرة، فسيستوعبها الناس ويعتادون عليها. وفي محاضرة لضابط مدفعية مضادة للطائرات، من دولة قاتلت سنوات طويلة وله خبرة عميقة، قال للطلاب (ضباط دورة)، أن الخطر الأكبر في الأسلحة غير الدقيقة هو الدوي الذي تتسببه، وهو ما يثير الرعب والخوف عند الناس أكثر من فاعليتها القتالية.
منذ سنوات بعيدة، أصبح الاعتماد على إصابة الأهداف بدقة تامة إصابة 100% على الأسلحة المسيرة، والقنابل والصواريخ الذكية (أطلق وأنسى / fire and forget) التي تستخدم بواسطة توجبه لاسلكي، مونيتور / شاشة كومبيوتر، وكاميرا في رأس الصاروخ، ومطلق يتحكم بسير الصاروخ حتى بلوغه هدفه، أو يبرمج قبل الاطلاق مثل صواريخ كروز، ويطلق من مسافات تفوق الألاف الكيلومترات..
والايرانيون يدركون هذه الحقائق، ولذلك لا يعتمدون عليها قتالياً، بل إحداث أثار نفسية لدى المواطنين وخلق تفاعلات، وصدى اجتماعي، ويستخدمونها بكثافة إعلامية، وحين الاستخدام (بالمئات) .ولكن بفائدة قليلة.
والمشكلة السياسية تتمثل :
استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في اشتباكات حدودية، لا تمثل غالباً حدثاً بالغ الأهمية، وقد تكون حادثاً عابراً، بقرار من قائد وحدة صغيرة قد لا تتجاوز (آمر سرية)، واستخدام المدفعية الثقيلة وقصف أهدافاً بعيدة نسبياً قد تكون من صلاحيات قائد بدرجة، قائد فرقة، رئيس أركان الجيش. أما قرارات استخدام الأسلحة الاستراتيجية، فسيكون لها معنى سياسي، ألا وهو درجة الصراع السياسي، وبلوغه مرتبة الصراع المسلح، وهذا أشبه بإعلان للحرب، وقرارات استخدام الأسلحة الاستراتيجية لا تصدر إلا من أعلى القيادات السياسية والعسكرية، لأنها سوف تتسبب برفع درجة الصراع وتوقع أن يلجأ الطرف المقابل لذات المستوى، وربما يزيد عليها. ولذلك فإن قرار استخدام الأسلحة الاستراتيجية، هو قرار سياسي أكثر مما هو قرار عسكري. ولا سيما إذا كانت طبيعة الهدف خارجة عن الجدوى العسكرية. كأن تكون أهدافاً اقتصادية، أو سياسية (لأغلاق ممرات مائية، قصف مقرات سيادية) قصف الموانئ، والمطارات المدنية، قد تعني إشارة اعلان للحرب.
ومثل هذه التصرفات والممارسات، اتخذتها القيادة الإيراني عام 1980 في قصفها لمدن عراقية وأهدافاً سيادية وصولاً لإغلاق الممر المائي المهم (شط العرب) وتوغل طائرة مقاتلة / قاصفة حتى وصولها العاصمة العراقية (بغداد)، قادت في تواصلها إلى اندلاع الحرب التي استمرت 8 سنوات.