(مع انطلاقة الانتفاضة الاولى كان انطلاق قصيدتها الاولى، "رسالة الى غزاة لا يقرأون"، التي عُرفت جماهيريا بلفظتها الاولى وايقاعها الاول، "تقدموا ! ".. اليوم، وجنازير دبابات الاحتلال الاسرائيلي تسحق مشاريع الحلول السلمية المتاحة، واحدا تلو الآخر، يصعد من بين
نحن، اذًا، مع رسالة جديدة، "رسالة الى بُغاة لا يفقهون ! "، في مواجهة فظاعات "الشتاء الساخن"، والمناخ السياسي القارس، وغباء عباقرة الاحتلال السافل والزائل، رغم الاحساس القاتم بالوحدة المطلقة، الذي يرافق الشاعر منذ اربعة عقود باهظة، يوم صرخ في مراثيه: "وحدي
حدائقي المعلّقهْ
دالية نازفةٌ
على سطوح قريتي وأمّتي
وعِبرتي مختنقهْ
بعَبْرتي
على سطوح غزّتي
وعزّتي
سرّ حرير الشرنقهْ
هُبّي إذًا. أيتها الاسئلة المؤرّقهْ
وانتظري إجابة شافية
من موسم القحط. وطعم النفط في فاكهتي
وانتظري إجابة وافية كافيةْ
من تربتي.. مالحة. يابسة. مشقّقهْ
ولأعترفْ بمحنة الحصار. بيتي هاجس مطوّقٌ
وشُرفتي
بألف جاسوس وجاسوس لهم مطوقهْ
وسادة كلاب صيد. يرصدون خطوتي
وصرختي المنبثقهْ
نَوءًا وإعصارًا
إذًا فلتحتفل قتامة القيعان بالقرصانِ
والأشرعة الممزقهْ
"وحدي على الأسوار".. من زمانْ
أغنية سجينة وزهرة بريّة
"وحدي" على الايمانْ
معجزة سريهْ
من رحمة الرحمنْ
وقوة الانسان في الانسانْ !
"وحدي". وأهل النور في "وحدي"
وما قد خلق الله. وما يشاء لي ان أخلقَهْ
"وحدي". وما تُبدعه نار الحياة المطلقَهْ
وباب قلبي موصد. يا يأسُ لن تدخلهُ !
والروح في وجه القنوط والسقوط مُغلقهْ
ولتحترق أهداب عينيّ
فلن تكون أبدًا ولن تكون أبدًا وأبدا
بغير شمس ربّها وشعبها وحبّها ملتصقَهْ !
وقبضتي صوّانة. بوردتي وجبهتي ملتصقهْ
وثورتي أجنحة نارية
تنبتُ من قصيدتي المحلّقهْ
نجما على المجوس والمسوخ والأزلام
والحثالة المزوّقهْ
وصيحة نقيّة على فحيح الأروقهْ
على لهاثِ الزور والبهتان والأبّهة المختلَقهْ
ومن هنا. ومن هناك. تستدير الحلقهْ
وحولكم يضيق طوق الحلقهْ
يا أيها الذين
إبليسكم لعين
وباطل تلفيقكم
وخاطل تدليسكم
وسافل صدّيقكم
وهامل قدّيسكم
وفاصل قول دمي بشأنكم وشأنهم
"وافق شنّ طبَقهْ ! "
وأيها الذين
ملاكهم حزينْ
وقلبهم حزين
وعقلهم حزين
وحزنهم حزين
لا تهِنوا. لا تيأسوا. لا تحزنوا
وفاوِضوا
وعارِضوا
وقايضوا
وقوّضوا
وناقضوا
وناهضوا
واستنهضوا
وفاوضوا
وفوّضوا
آذانهم موقورة
اذهانهم موتورة
وشهوة السراب والخراب في اعصابهم موفورة
وأعين العالم في اكفّهم محدّقهْ
ولا ترى جراحنا
ولا ترى دموعنا
ولا ترى دماءنا
ولا ترى كفاحَنا
ولا ترى رمادنا
ولا ترى غير "رماد المحرقهْ"
كأننا لم نلفظ النازيّ والفاشيّ
والعقائد
المكائد
المصائد
المهرطقهْ
كأنما آباؤنا أحفاد سام أشعَلوا
في قلب اوروبا لهيب المحرقَه !
يُحرجني البركان في لحمي وفي حلمي
ويرجو شفتي ان تعتقهْ
يحرجني. يجرحني. مقترحا لونَ دمي
لصورة الخريطة البسيطة المنمّقهْ
في المنطق البور.. وبور المنطقهْ !
وآخ يا زيتونتي. وآخ يا ليمونتي
مشفقة أنتِ عليّ مشفقهْ
والعذر يا حبيبتي
فلا أحبّ الشفقهْ
والعفو يا صديقتي
فلا أُطيق الشفقهْ
لا غصنَ زيتون ولا حمامة مطوّقهْ
هو الغراب وحده. ينعق كيف يشتهي
في الغابة المحترقهْ !
وما تبقّى من حياتي.. صدَقهْ
ولا أريد صدَقهْ
من فضل جزّارٍ خُرافيّ،
وأفضال العبيد الصمّ. في جلبة موتي المحدِقهْ
وحسبيَ التراب قوت العمر،
فليلعق سوايَ الملعقهْ !
وحسبيَ اللهُ وكيلا،
في زنازين الليالي المطبِقهْ
يا أيها الذين
للحشر يوم الدين
ها أنذا معترف..
صدّقتُ كل ما مضى. صدّقتهُ
فليأت ما يأتي بما يأتي.. ولن اُصدّقهْ
أعرف.. لن اصدّقهْ
أحلف.. لن اصدّقه !
يا أيها الذين
ضاقوا بيوم الدين
مرتّق جلدي على عباءتي المرتّقهْ
وجبهتي تعلو على ظلامكم
شمس نهار مشرقهْ
على ركام القادة المرتزقهْ
والعسكر المرتزقهْ
والساسة المرتزقهْ
والشعراء الادباء الخطباء الفقهاء الخنّع المرتزقهْ !
يا أيها الذين
يهجون يوم الدين
خذوا دمي. خذوا اشربوا خمركم المعتّقهْ
وخبزكم ضريبة على الشعوب المملقَه
ووردكم على الرؤوس،
في مراسيم الكلام.. مطرقهْ
والكفر في إيمانكم. والزندقهْ !
وأنتَ. أنتَ. أنتَ. أنتَ.
سرحتي وحسرتي
وصخرتي وصرختي
وروعتي ولوعتي
ونعمتي ونقمتي
يا وطني
تقتلني بوردة
يا وطني
تذبحني بزنبقهْ !
يا وطني قل لي: أأنتَ وطن ملفّق؟
يا أمّتي قولي: أأنتِ أمّة ملفّقهْ؟
ويا سماءُ. أنذا مهيّأ. على وضوء ناجز،
وعنقي جاهزة،
فأمطري منّا وسلوى. لسواي أمطري
منّا وسلوى. وعليّ أمطري
لو شئتِ.. حبل المشنقهْ !
ها أنذا مبتهل. وعنُقي راضية مرضيّة
وجسدي مؤهّل للمحرقهْ
وجسدي في المحرقهْ !
يا أيها الذينْ
للنار يوم الدينْ
لا تشتموا – لن تشمتوا
لا تقرصوا – لن ترقصوا
لا تبطروا – لن تطربوا
لا تسكروا – لن تكسروا
لا تبطشوا – لن تشطبوا
لا تسكبوا – لن تكسبوا
في جسدي الرماد عنقائي.. ومن رمادها
أجنحة للنار والنور على سمائنا منطلقهْ
من موتنا منطلقهْ
ببعثنا منطلقهْ
بحبنا وحزننا وحلمنا منطلقهْ
ألمجد للعنقاء. ورد المجد للعنقاء. قمح المجد للعنقاء.
غارُ المجد للعنقاء. مجد المجدِ للعنقاء.. مِن
رمادنا منطلقهْ
منطلقهْ
منطلقهْ..
(الرامة)
الشاعر سميح القاسم