فهمي شبانة لماذا الآن؟ بقلم صلاح حميدة
أثارت المعلومات التي كشف النقاب عنها المحامي فهمي شبانة التميمي - أحد الضباط السابقين في جهاز المخابرات الفلسطينية- الكثير من الجدل في الساحتين الفلسطينية والعربية، فضلاً عن الدولة العبرية، عبر إعلامها الذي تطوع لنشر ما ترفعت عن نشره حركة "حماس" التي أرسل لها شبانة هذا الشريط قبل فترة طويلة.
التسريبات حول مضمون الشريط الذي بثته القناة العاشرة الاسرائيلية، كانت قد ملأت الشارع الفلسطيني من قبل، ولكن لم يتعدّ الأمر سوى الشائعات والأخبار المقتضبة، وهذا عائد لمحاذير كثيرة لم يكن يرغب من أمدّهم فهمي شبانة بالشريط أن يخترقوها، وأهمّها " الحفاظ على أخلاقيات الشعب الفلسطيني" كما قال صلاح البردويل أحد قادة "حماس" بالأمس، مضيفاً أنّ حركته تمتلك الكثير من الملفات والأشرطة لمسؤولين آخرين من حركة "فتح" حصلت عليها بعد سيطرتها على المقرات الأمنية في القطاع، ولكنّها لن تنشرها تحت أيّ ظرف.
كما أسلفت، التسريبات حول مضمون الشريط قديمة، ولكن لماذا يتم التطوع لنشرها الآن عبر التلفاز الاسرائيلي؟.
الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة الفلسطينية، قال أنّ الهدف من هذا النشر، هو ابتزاز مواقف سياسية من أبي مازن، أما وكالة "معاً" فنقلت عن مسؤول أمني رفيع قوله أنّ شبانة " شخص تافه يبحث عن الشهرة" ، فيما عبر فهمي شبانة عن رفضه لهذا المنطق، وقال أن سيلاً من الاتهامات، إضافةً إلى مذكرة اعتقال أصدرت من السلطة ضده، ستدفعه للكشف عن معلومات أكثر خطورةً، وستصدم كل من يقرؤها؟!، مضيفاً أنّه يتوقع أن يتم اغتياله من قبل المتنفذين في السلطة، ولذلك جهّز قبراً له، ولم يبق إلا تاريخ الوفاة فارغاً على شاهد القبر.
لماذا قام شبانة بنشر ما لديه من معلومات خطيرة الآن ، وعبر التلفاز الاسرائيلي؟ وما هي الظروف التي تم بها امتلاكه لهذه الملفات الخطيرة؟.
يقول شبانة أنّه كلف بمتابعة ملفات الفساد في السلطة، وأنّ هذه الملفات هي ثمرة عمله في هذا المجال، ويضيف أنّه بدلاً من محاسبة الفاسدين، فقد فصل هو من عمله، وزجّ في السجون الاسرائيلية بطلب من السلطة، و بتهم ملفّقة، ولا زال يعاني من السجن المنزلي في بيته في القدس، وأضاف أنّ كل ما يطلبه هو محاسبة الفاسدين والمعتدين على أعراض الشعب الفلسطيني، كما قال.
من الواضح أنّ دوافع شبانة إنتقامية، وهو يحاول أن يؤلم من يعتبر أنّهم فصلوه من وظيفته، وتسببوا في سجنه حتى الآن، وفي هذا السبيل توجه إلى وسائل الاعلام الاسرائيلية لكشف ما لديه نكايةً بهم، بعد فترة هجران من السياسيين والصحافيين، ورفضهم نشر مضمون الشرائط والملفات التي بحوزته لأسباب عديدة.
توافقت رغبة شبانة الانتقامية، مع رغبة إسرائيلية أكيدة في زيادة الضغوطات على حركة "فتح" ورئيسها، إضافة إلى رغبة إسرائيلية في إنهاء دور حركة "فتح" نهائياً في السلطة والواقع السياسي الفلسطيني، في ظل أنّ البديل لهم أنجز الكثير في " انقلابه الأبيض على الحركة في الضفة الغربية" كما أعلن أحد قياديي الحركة قبل فترة قصيرة، وأنّ الوقت بات مناسباً الآن للتخلص من حركة "فتح" بعد أن تم تفكيك البنية التنظيمية لحركة "حماس" في الضفة، ومحاصرتها في القطاع.
لم ينتبه الكثيرون ممن تابعوا كلام "شبانة" إلى تركيزه في كلامه، وأثناء مهاجمته لرموز حركة "فتح" وكشفه لملفات فساد عدد من قياداتها، ركّز على مدح سلام فياض، وأنّه صاحب كف نظيفة، وبالرغم من أنّ كيل المديح لفياض في الوقت الحالي من العديد من قادة حركة "فتح" لا يعدّ غريباً، إلا أنّ الزّج بهذا المديح والتملّق، في سياق إبراز قضايا فساد أخلاقي ومالي تمس قمة الهرم السياسي لحركة "فتح" يعتقد الكثيرون أنّ هذا التدليل مقصود، بهدف إنهاء مرحلة "عباس" و"فتح" والبدء بمرحلة "فياض" التي عنوانها فقط تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال، تحت عنوان بناء الدولة.
في هذا السياق، يجب عدم تبرئة حركة "فتح" وقيادتها، والكلام السابق لا يدخل ضمن هذا السياق، ولكن حركة "فتح" أدمنت تجاهل القضايا الملحة والقفز عنها وكأنّها غير موجودة، وهذا أدى إلى " قفزها من قمة الهرم إلى سفحه" كما قال نبيل عمرو أحد قادتها السابقين، فهل إثارة هذه القضية الآن، يأتي ضمن سياق القفزة الأخيرة للحركة نحو القاع؟.
إذاً التعامل السلبي مع هذه القضايا الملحّة، وتجاهلها لن يحلها بالمطلق، بل يزيد من مضاعفاتها، ويؤدي لانفجارها في أوقات قد تكون حساسة وصعبة و غير مناسبة بالمرة، وهذا ما جرى مع حالة "شبانة" فكما قال:- تم تجاهل ما أنجزه، ثم تم التخلص منه، وبقي الفاسدون في أماكنهم.
قضية أخرى تثيرها قضية "شبانة" وهي مدى السرية والسيطرة والانضباطية التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما الذي يضبط دورها؟ وكيف يتم تسريب وإخراج ملفات بهذه الخطورة هكذا بلا أي ضوابط؟ مع أنّها تحتوي على قضايا بالغة الخطورة تمس أعراض الناس وقيمهم، إضافة لقضايا الفساد المالي. فمن الطبيعي أن يلاحق جهاز المخابرات كل الثغرات الأمنية والأخلاقية والمالية التي تدور داخل السلطة، ولكن بالتأكيد أنّ ما يتم التحصّل عليه من معلومات، لا بد من التعامل معه بطريقة صائبة، من خلال القانون، والضرب على يد الفاسدين، ومكافأة من أنجزوا هذا العمل.
فرح شديد ساد في استوديو البث في القناة العاشرة الاسرائيلية، بين المذيعين الثلاثة، حتى أنّ أحدهم تحمّس كثيراً، وقال أنّ ما يجري الآن يشبه مباراة كرة القدم، وأنّ المذيعين في القناة مثل المشجعين في مباراة كرة قدم، ويهتفون " يللا يللا شبانه... يللا يللا أبو مازن" في إشارة إلى ردة فعل "أبو مازن" على "شبانة" وردة فعل "شبانة" بكشف المزيد فيما بعد، أمّ مذيع آخر وفي الحادية عشرة ليلاً وعلى نفس القناة، فقد استاء من موقف حركة "حماس" على لسان صلاح البردويل، بأن أعلن أنّ " الحركة لن تنشر ما لديها من أشرطة، حفاظاً على القيم الأخلاقية الشعب الفلسطيني" وطالب أبو مازن بنبذ من أسماهم ب" الساقطين" من حوله، فعلّق المذيع الاسرائيلي " لماذا لا تريدون نشرها.. أنشروها.. هذا جيّد"؟!".
تعامل قيادة السلطة مع هذه القضية، فاقم الأزمة، ولم يحلّها، بل يدفعها دفعاً نحو التأزيم، وأعتقد أنّ هذه الهزّة يجب أن تدفع حركة "فتح" ومحمود عباس لإعادة تقييم شاملة للخط الذي يتبنّونه حالياً، وتحديداً موقفهم حيال المصالحة الفلسطينية، ومن الواضح أنّ عدم التعامل بشفافية مع قضايا الفساد، إضافة إلى عدم محاسبة الفاعلين، هو الذي أدى لانفجار الأزمة الحالية، كما أنّ الاستمرار في الوضع الحالي، يعني خسارة حركة "فتح" آخر حصونها، وحرق كل رصيدها السابق، إضافة إلى ما تبقى من هذا الرصيد، وكشف كل مساوئها أمام الاعلام، فقد تم التركيز على كلام "الحسيني" في الشريط عن ياسر عرفات بأنّه " أكبر دجّال" وعلق المذيع الاسرائيلي على ذلك قائلاً " عرفات جنّاف" أي " عرفات لص"، وللجميع أن يدرك حجم وقع هذا الكلام من قيادي فتحاوي من عائلة عرفات، ويعتبر " رقم اثنين" في السلطة، كما علّق المذيع الاسرائيلي.
من الواضح أيضاً أنّ حركة "فتح" أمام خيارات صعبة وحقيقية، وهي أمام الحصن الأخير، فإمّا أن تقف وتعيد حساباتها، وتذهب مباشرة إلى المصالحة الفلسطينية، والوصول مع حركة "حماس" إلى صيغة متفق عليها، بعيداً عن شروط الاذلال المصرية. إضافة إلى الشروع بمحاسبة حقيقية لكل الفاسدين في صفوفها، والتعاطي مع ما يحمله "شبانة" من معلومات من باب المحاسبة والشفافية، بدلاً من التعامل بانفعالية وردّات فعل تزيد الطين بلة، وتفاقم الفضائح، التي يتألّم المراقب لظهورها على شاشات أعدائنا، ويتألم أكثر عندما يشاهدهم وهم يقفزون فرحاً عندما يشاهدون ما يعرض من مخازي.
حركة "فتح" الآن أمام لحظة الحقيقة، ويجب أن لا تضع رأسها في الرمال، فهي أمام قرب اكتمال الانقلاب الأبيض في الضفّة، وهي أمام ضغوطات وفضائح، الظاهر أنّها لن تتوقف على المدى القريب، ومن الواضح أنّ الاحتلال لا يتورع عن كشف أي شيء يسيء لهم مهما بلغت طبيعة العلاقة السياسية والميدانية والتنسيق، والعلاقات الدولية مع الأطراف الفاعلة، فالمطلوب دائماً أكثر من المستطاع، ولم يعد هناك أي مجال للمناورة.
المخرج الوحيد المشرف لحركة "فتح" سيكون بالانطلاق لحل إشكالاتها مع حركة "حماس" مباشرةً، بلا أي وسطاء - عرب وغير عرب- وتجربة نبيل شعث مشجعة، وإذا تم التحرر من دكتاتورية الشقيقة الكبرى، وابتزاز الاحتلال، ومبضع الانقلاب الابيض الذي يعمل بهدوء، والاتفاق على قواسم وطنية واضحة المعالم، فيمكن القول حينها عن ما كشفه فهمي شبانة " ربّ ضارة نافعة".