شريد إلى الأبد / شعر إبن الشاطئ

شريد إلى الأبد
----------
شعر إبن الشاطئ
----------
كان مدرسا للغة العربية في إعدادية الأخطل بالقامشلي..
وكان يوم الأربعاء حيث كانت ساعته الأولى
درس إنشاء للصف الثاني الإعدادي شعبة البنات
فقرأ لهنَّ جزءً من قصته: (وانتقمت الأقدار)
وبعد انتهاء الحصة خرج ليفاجأ برسالة من شقيقه..!!
--------------------------

... وحَمَلْتِ تِسْعَةَ أشْهُرٍ رغْـمَ المَـرارَةِ والألَـمْ
ولَكَمْ تَعَذَّبَ صـدرُكِ الخفَّـاقُ يـا أَوْفـىِ الذِّمَـمْ
وأنـا أُراقِـبُ مَطْلِـعَ الفجْـرِ وترتيـل النـغَـمْ
وإذا انْبِلاجُ الفَجْْـرِ يُعْلِـنُ للـوَرىَ: زال السَّقَـمْ
***
لفّعتني.. وضَمَمْتِني خوفاً علـيَّ مـن البُـرودَهْ
وأبـي يُقَبِّلُنـي وأنـتِ قَريـرَةُ العيْـنِ سعيـدَهْ
ويَدي على ثدْيَيْكِ تطلبُ منكِ أنغامـي الوحيـدَهْ
وإذا بصدْرِكِ في فَمي يَنْسابُ أَلْحانـاً فريـدَهْ..!!
***
ويَمُرُّ دولابُ الزَّمـانِ مُخَلِّفـاً عَهْـدَ الرّضاعَـهْ
ومُخَلِّفاً زحفَ الطفولةِ مُلْبِساً جِسْمـي المَناَعَـهْ
ومُحَقِّقـاً لِبَراءتـي الكُبْـرىَ أغاريـدَ الوَداعَـهْ
ومُطالِباً نَفْسي الصَّغيرَةَ أنْ تَعيشَ بكُلِّ ساعَهْ..!!
***
وبَدَاْتُ أُغْرِقُ لُعْبَتـي قُبَـلاً علـى ذاكَ الجَبيـنِ
وأعيشُ في دُنْيا الطُّفولَةِ بيـنَ أهْـدابِ اليَقيـنِ
هذا يُقَبِّلُني..! وتلـكَ تضُمُّنـي فـي كـلِّ حيـنِ
وأنا أناجي لُعْبَتـي الغـرَّاءَ مـن قلـبٍ حنـونِ
***
وهُناَ يَجِلُّ الخَطْبُ يا أمَّاهُ في نَفْسـي الصغيـرَهْ
فالموتُ قَدْ خَطَفَ المُعيلَ وأصْبَحَتْ دنيايَ حِيـرَهْ
مَنْ ذا يُعَلِّمُني..؟ فَقُلْـتِ بِكـلِّ نَبْـراتٍ مَريـرَهْ:
أناَ يا حَبيبي سَوفَ أعْمَلُ في البُيوتاَتِ الكَبيرَهْ..!!
***
وخَرَجْتِ للعَمَلِ المَريرِ مِنَ الصَّباحِ إلـىَ المَسـاَءِ
ماَ بَيْنَ قَرْقَعَةِ الصُّحونِ.. وبينَ إعصـارِ الشِّتـاءِ
كَمْ ليلَـةٍ مَـرَّتْ عَلَيْنـاَ بيـنَ أنيـابِ الشَّقـاءِ
والجـوعُ يُنْهِكُنـاَ لِيَعْصِرَنـاَ نبـيـذاً للـوبـاءِ
***
ومَشَيْتُ في دُنْياَ الكِفاحِ ولا رَفيقَ علىَ الـدُّروبِ
كُلُّ الإقارِبِ حَوْلَناَ غَابوا لِنُطْـوىَ فـي الغُـروبِ
فَسَحَقْتُ تِلْكَ الصَّخْرَةَ الصَّلْداء في عـزْمٍ مُريـبِ
وخرجْتُ للدُنْياَ وفـي بُـرْدَيَّ زَلْزَلَـةُ الخطـوبِ
***
زاَلَتْ غُيومُ الأفْـقِ فانْسابَـتْ تَراتيـلُ الصَّـلاةِ
وطَوىَ الصَّباحُ صحيفَةَ الماضي.. وتلكَ الذِّكْرياتِ
ومضَيْتُ في سُبُلِ الحيـاةِ كأنَّنـي أسَـدُ الفـلاةِ
لاَ البُؤْسُ ظلِّي.. لا الشَّقاءُ مَطِيَّتي بينَ الأُبـاةِ..
***
وعَقَدْتُ عَزْمي أنْ أَسيرَ إلى رُبىَ لُبْنـانَ وَحْـدي
وعَمِلْتُ فيهاَ كالفَتىَ المِقْـدامِ فـي عَـزْمٍ وكَـدِّ
وَتَحَقَّقَتْ أمْنِيَّتي فيهـا.. ولَكِـنْ غـابَ رُشْـدي
لمَّا رأىَ الباغونَ تَرحيلي فعَمَّ الحُـزْنُ وَجْـدي..
***
وشَدَدْتُ رَحْلي يا حبيبَةُ للجَزيـرَةِ مِـنْ بـلادي
ووَجَدْتُ فيها كُلَّ مـا أبْغـي بِجـدَّي واجْتِهـادي
ورأَيْتُ قدْ حـانَ الأوانُ لِنَلْتَقـي بيـنَ الوِهـادِ..
بَيْنَ المروجِ نُرَتِّلُ الآياتِ عَنْ سُبُـلِ الجِهـادِ..!!
***
ودَخَلْتُ صَفِّي حيثُ كانَ اليـومُ يـومَ الأربِعـاءِ
والقِصَّةُ الغنَّاءُ بيـنَ جَوانِحـي عَـنْ كـلِّ نـاءِ
فقَرَأتُ يا أمَّاهُ للأخـواتِ عَـنْ سَبَـبِ الشَّقـاءِ
في هذهِ الدُّنْيا.. وعَنْ نَبْعِ المصائِبِ والعنـاءِ..!!
***
كانَتْ وحقِّكِ.. عَنْ حياةِ الإبْنِ بَعْـدَ مَمَـاتِ أُمِّـهْ
ماذا يَحِلُّ بِهِ..؟؟ وكَيْفَ يُباعُ فـي أثْـوابِ عَمِّـهْ
إخْوانُهُ فوقَ الطَّريـقِ ولا سَبيـلَ لِزَيْـلِ غَمِّـهْ
لا شيءَ في الدُّنْياَ يُخَفِّفُ يا حبيبَةُ.. بَعْضَ هَمِّـهْ
***
وخرجْتُ والأخواتُ في شـوقٍ إلـى ذاكَ الكـلامِ
ووَعَدْتُهُنَّ قِـراءَةَ الباقـي علـى وَجْـهِ التَّمـامِ
وإذا زميلـي جالـسٌ مـاَ بَيْـنَ غَـمٍّ وابْتِسـامِ
فَيَصيحُ بي: (سِرْ للإدارَةِ تلْتَقي برُبـىَ المـرامِ)
***
ومَضَيْتُ أبْغيهـاَ إذا برسالتـي فـوقَ الرَّسائِـلْ
فَطَرِبْتُ.. بَلْ غنَّيْتُ في سُكْرٍ كأنِّي فـي الخَمائِـلْ
أشْدو بأنفاسِ الرَّبيعِ وفي يَدي بَعْضُ الفَصائِـلْ..
مِنْ أحْمَرٍ ورْديِّ للزَهْرِ البنفسجِ في الأصائِـلْ..!!
***
وفَتَحْتُهاَ وأنا أكـادُ أطيـرُ مِـنْ فَرَحـي الكبيـرِ
وفَضَضْتُهاَ.. فَفَقَدْتُ رُشْدي بَيْنَ طَيَّاتِ السُّطـورِ
وصَرَخْتُ مِنْ أَلَمي ومِنْ جزعي مِنَ الخَطْبِ المُثيرِ
أمَّاهُ.. لا! لَنْ تَغْرُبي! أفْديكِ في مرّ العصـورِ..!!
***
والآن.. بَعْدَ نُكَيْبَتـي الكُبْـرىَ يُمَزِّقُنـي أَنينـي
لا شَيْءَ في هذي الحياةِ سِوىَ السَّخافَةِ والجنونِ
ماذا أريدُ مِنَ الحياةِ..؟؟ أَ غَيْرَ قافِلَةِ المَنونِ..؟؟
ربَّاهُ.. خُذْني في جِوارِ حبيبَتي.. أمِّـي الحَنـونِ
-----------------------------

القامشلي 1962م

إبن الشاطئ: إسماعيل إبراهيم شتات: ميلاده-نسبه-نشأته الأولى

--------------------------------------------------------------------------------

كان ابن الشاطئ رحمه الله يمقت الهجاء غير السياسي.. ويتجنب الرثاء ما استطاع.
وفي حياته الأدبية لم يرث حتى وقت قريب سوى ثلاثة أشخاص:
-ابنته الحبيبة ميسون: ورثاها بديوان كامل عنوانه: "الطائر الذي لا يرحل أبدا"
-الزعيم الراحل هواري بومدين ورثاه بقصيدة جد مؤثرة عنوانها: "أبجدية المنفى والبندقية" نزلت في ديوانه: "الزمن الفلسطيني يتجدد في البعد الثالث.
-ووالدته رحمها الله بقصيدة عنوانها: "شريد إلى الأبد" التي ذكرتها آنفا.
وحين تقدم فيه العمر,,, وشهد ترجل أقرب أصدقائه.. رثاهم بقصائد تدمي القلوب.
وأضع بين ايديكم قصيدة: شريد إلى الأبد والتي تكشف صفحة من معاناة إبن الشاطئ.. ومعاناة والدته وأشقائه. والقصيدة كما قلت من ديوانه الأول: "خفقات قلب" المطبوع عام1964م في مطبعة الشرق بحلب.

القصيدة رائعة جدا

أشكرك على الاختيار

تقبل مروري المتواضع

لـك مـنـي عـبـق التحية...ورحـيـق الـوفـاء...وازدهاء الـثـنـاء..

يـكـلـلـه اعـتـرافي بـفـضـلـك الـذي ..أدهش مـخـيـلـتـي..

فـي وجـود مـن يـحـمـلـون إلى جـانـب الـمـودة والإخـاء...

بـصـوت يملأ الـدنـيـا ..وفـاءً..

الحاج لطفي الياسيني