قراءة قصة في الشال الصغير الأَحمر بقلم:نزهة أبو غوش
الشال الصغير الأَحمر، قصة للأَطفال بقلم ديمة أَبو غوش .رسومات سامي زعرور، منشورات مركز اوغريت الثقافي-فلسطين
تناولت القاصَّة ديمة أَبو غوش في قصتها موضوعًا مهمًا وحساسًأ ، لا يجرؤ أَي كاتب لقصص الأَطفال الخوض فيه، أَلا وهو موضوع الموت، أَوفقدان شخصٍ قريبً منَّا إِلى الأَبد. إِن هذا الموضوع بحاجة إِلى حذر شديد من قبل الكاتب، لأَنه يلامس عواطف الأَطفال وأَحاسيسهم المرهفة، كما ويؤثر على نفسياتهم، وربما يسبب لهم صدمة إذا لم يعرض عليهم الموضوع بالشكل الصحيح في حياتهم.
أَرادت الكاتبة أَن توصل فكرة تقبل الموت عند الأَطفال من خلال وفاة جدة الطفلة سماح ابنة السبعة أَعوام، لقد سكنت الجدة في نفس البيت الذي تسكنه سماح والتي كانت تحبها وتحب حكاياتها اليومية عند المساء، ولم يستطع أَحدًا تعويض حكايات الجدة، لأَن للجدة طريقة خاصة تؤثر عليها، حتى ولا والدتها التي راحت تقرأُ لها القصص من الكتاب.
من أَجل أَن تهيئ الكاتبة عملية تقبل الموت عند القرَّاء-الأَطفال- حاولت أَن تمهِّد للطفلة سماح خبر وفاة جدَّتها من خلال مرض الجدَّة، الذي أَرى بأَنه كان مفاجئًا للقارئ، وجاء بعد عبارة ذات يوم مرضت الجدَّة " وذلك بعد أَن كانت قوية نسجت الشال هدية لحفيدتها، وحكت الحكايات الممتعة، ولو جاء المرض بشكل تدريجي، وكانت فترة التمهيد أَطول قليلا لكان أَفضل، لأَن الموت حدث مباشرة وبعد فترة قصيرة من المرض، إن حزن الأُم الظاهر عليها هو أَيضًا مرحلة للتمهيد، لا أَعلم لماذا لم تجرؤ الطفلة سؤال والدتها عن سبب حزنها؟ هل فهمت مشاعر والدتها وأَرادت مراعاة تلك المشاعر، أَم هو الخوف من المواجهة؟ حبَّذا لو جعلتها الكاتبة أَكثر مبادرة وجرأة، كي نعلم أَطفالنا القدرة على المواجهة ساعة الشدة.
لقد نجحت الكاتبة بالتمهيد للقارئ- الطفل- من خلال دموع الأُم التي راحت تخفيها، وكذلك من خلال شرود الذهن وعدم التركيز في الحصة الدراسية التي أُصيبت بها سماح، ومن خلال غياب الأَهل عن البيت عند العودة من المدرسة، ومن خلال إعلام الأُم طفلتها عن وجود الجدة في غرفة العناية المشدَّدة، ثم تأَخر الوالدين حتى ساعة متأخرة في المستشفى،كل تلك الأَحداث توحي بأَن شيئًا صعبًا سيحدث، عندها يمكن للطفل أَن يتقبله.
ينصح الأَخصائيون النفسيون بأَن قول الحقيقة للطفل عن حدوث الموت هو الأَفضل. هنا عمدت الكاتبة أَبو غوش إِلى أَن يعرف القارئ وقوع الموت الذي لا رجعة منه إلى الحياة ثانية، ولم تقل بأَنها سافرت، أَو ذهبت إلى الجنَّة مثلا، وقد كان ذلك من خلال إعلام سماح بموت جدتها من خلال همسات الجيران، أَي بالشكل غير المباشر، حيث كنت أُفضل هنا أَن تعلم الطفلة الخبر مباشرة من خلال الأُم أَو الأَب، أَو كلاهما معًا فالمواجهة أَفضل بكثير من الهروب في هذه الحالة، ولو تركت الكاتبة الطفلة تعيش تجربة البكاء والحزن بمعية الأَهل، وأَن تدعها تسأَل وتناقش بدل أَن تذهب إلى النوم وحيدة حائرة حزينة وحتى أَنها خائفة من السؤال:" في المساء، أَرادت سماح أَن تسأَل والديها عن جدتها، وعن الموت، وكانا حزينين، فقررت أَن تؤجل ذلك." لماذا لم تعمد الكاتبة إلى ذكر القضاء والقدر؟ لكي يعلم الأَطفال بأَن هناك قوة عليا أَقوى منَّا جميعًا تتحكم بحياة البشر ومصيرهم، وهي الله سبحانه وتعالى. أَعتقد بأَنها لو فعلت ذلك لكان وقع الخبر أَكثر إقناعًا وأَخف وطأَة على نفس الطفلة.
إِن اختيار الأُم للشال الأَحمر الصغير الذي نسجته الجدة هدية لحفيدتها، ووضعها إياه على كتف سماح عند حزنها وقلقها، لهو اختيار ذكي من قبل الكاتبة لتواصُل الطفلة غير المباشر مع الجدة من خلال أَشياء صنعتها بنفسها، مما جعلها أَكثر هدوءًا وطمأنينة.
الشكل الفني في القصة: الرسومات لسامي زعرور في القصة معظمها رسومات معبِّرة ، فقد بدا على الوجوه الحزن والخوف والقلق والفرح واضحًا. شكل الأُم في الرسومات ليس متطابقًا في كل الصفحات.
الصفحات لم تكن مرقَّمة، والخط لو كان بحجم أكبر، وغير متراص لكان أَفضل؛ لأَن الطفل يستطيع تصوير الكلمة في ذهنه حتى لو لم يتعلم القراءة بعد.
اللغة: لغة الكاتبة سهلة وسلسة للأَطفال، والتشكيل لم يشمل كل الحروف. كلمة اليوم زائدة في هذه الجملة "إِنها في العناية المشددة، ولن نستطيع زيارتها اليوم" لأَنها توحي أَن هناك أَملا في الزيارة في يوم آخر. كلمة جميعا"وبعد أَن غنوا لها جميعًا"على من تعود الكلمة؟ إن الكاتبة لم تذكر أَسماء الأَشخاص قبلها، بل كانوا ظاهرين في الصورة فقط.
الشخصيات في القصة: شخصية سماح الأُم والجدة والأَصدقاء، كلها شخصيات ديناميكية متحركة، أَما شخصية الأَب فهي سلبية أَو جامدة حيث أَن الكاتبة لم تشركها في الحوار مع الابنة مثلا، من أَجل تلطيف مشاعرها كما فعلت الأُم، أَو من أَجل توصيل خبر وفاة الجدة، أَو أَي شيءٍ آخر.
وأَخيرًا أَتقدم بالشكر للكاتبة ديمة أَبو غوش، وأَتمنى لها المزيد من العطاء.
"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني- القدس"