حزب الشعب الفلسطيني
التقدم وهول التحديات
باسم الخندقجي
في اجواء من الذكرى الثامنة والعشرين لاعادة تاسيس حزب الشعب الفلسطيني لابد من الوقوف بشيء من التكثيف امام تجربة هذا الحزب العتيق لما يحمله من معانٍِ وتمثيلات تاريخية اصيلة تستمر في العطاء والتقدم منذ بدايات القرن العشرين..
ان المراقب يشعر بالدهشة من اصرار هذا الجسد التنظيمي على التواصل والقدرة على التجدد بالرغم من المصاعب الجمة والمتغيرات الدولية التي المت بالعالم وابرزها انهيار ما يسمى بالكتلة الاشتراكية والكثير من الاحزاب التي كانت تتبنى وتطبق ماركسية لينينية .. اجزم هنا بانها كانت شيوعية خاطئة واشتراكية ضالة لا تنتمي الى ماركس باية صلة..
ان تجربة حشف الامتداء التاريخي الاصيل للحركة الشيوعية في فلسطين تحمل في طياتها الكثير من المؤشرات اهمها بقاء هذا الحزب على قيد المبادئ والقيم الانسانية السامية وجديته في التجدد مما منحه فائدة استيعاب المتغيرات وعمليات التحول والتغير في هذا العالم الخاطف والتطور .. وتجلت العلاقة الجدلية ما بين النظرية والواقع من خلال معالجة شاملة وواعية لمسيرة الحزب التاريخية خاصة بعد انهيار رفيقنا الذي لم يكن رفيقا بنا وبنفسه "الاتحاد السوفيتي".اذ كانت الصورة كبيرة كان الخوف سيد الموقف ايضا وكانت الاسئلة كثيرة وصعبة ومرتبة ماذا عنا نحن ؟ماذا سيكون مصيرنا؟غير ان السؤال الاهم كان مالعمل؟وبالفعل بدأ العمل بكيفية تكفل الاستمرارية وعدم الانصياع والرحيل مع اي قطع تاريخي او لا تاريخي بالاحرى..
والايمان من قبل رفاق الحزب بقدرتهم على امتصاص الصدمة فكان التجدد الواعي ولم يكن التخلي عن المبادئ والقيم التي فهمت خطأ وطبقت بخطيئة اكبر وافظع في كثير من التجارب.كذلك لم يكن تحولاً باتجاه الليبرالية الجديدة بل هو الابداع الحقيقي الذي احدثه الحزب..والمتمثل بالثنائية المتناقضة التي لا فكاك فيها الا وهي الثابت والمتحول ..التجدد والاصالة ومع معالجته لهذه المرحلة يمكن القول بان الحزب بدا من جديد برامج ومناهج واليات عمل استمرت في معالجة ما حدث الى ان تمكن من الاستقرا والاستمرار ..ان التركيز على هذه الفترة الحساسة من حياة الحزب الهدف فيه هو ان حزبا لم يزل يتنفس بصحة وعافية منذ قرن من الزمن تقريبا ويواجه رَحى تقلبات الزمن بمبادئه الصلبة هو حزبُ يستحق الحياة. وفي ذات الاتجاه لايخفي المرء البدايات الصعبة والشائكة للحزب كحزبِ شيوعي عربي فلسطيني بعيداً عن الاتجاهات الكلاسيكية المستهلكة القائلة بيهودية الحزب.
اذ بعد التعرف على هذا الفكر القادم من وراء البحار واستيعابه بما يتلائم مع مجدداتنا التاريخية اصبح يجري العمل على تقريب الحزب في سياق ان التعاون لمصلحة الانسانية والتحرر والتقدم لا يصطدم بقيود الاديان والاجناس والاعراق..ففلسطين ارض استثنائية ..وجاءت عملية تعريب الحزب ليكون الرفيق رضوان الحلو اول سكرتير للحزب الشيوعي عام 1934 في وقت كانت فيه فلسطين بالرغم من تواطئة ضياعها لم تزل تمتلك جدليات مقومات الدولة مثل الموانئ وسكك الحديد التي نشطت بها الحركة العمالية الشيوعية مما منحها الامتداد الشعبي والالتفاف الجماهيري الذي ادى بدوره الى تنافس محموم بينها وبين الاحزاب الوجاهية البرجوازية الوطنية التي كانت موجودة انذاك لدرجة ان التنافس وصل الى حد التصفيات الجسدية لبعض القيادات الشيوعية وما ان تم ضياع فلسطين حتى بدات"دياسبورا"الحزبِ شتاته ومن ثم اعادة تنظيم نفسه بما يكفل له الاستمرارية .
ومن ثم اعادة تنظيم نفسه بما يكفل له الاستمرارية اذا كانت صعبة ولكن بداية تسعينييات القرن كانت اصعب ولا يوجد سعي في هذا المقال للتطرق لمسيرة الحزب بمجملها والمتغيرات التي جرت اذ يكفي ان حزبا مثل هذا الحزب يدرك ويعترف دوما بضرورة تجديد البداية.واما على الصعيد التنظيمي في الحزب فهو على اشدّه من حيث مقاييس الديمقراطية واليات العمل.والدليل الابرز على هذه الموشرات الاربع التي عقدها منذ بداية اعادة التاسيس ففي مؤتمره الاخير المنعقد في اذار 2008 جاء تاكيد الحزب الصارم على ضرورة المحافظة على الانجاز الديمقراطي وتعزيزه من خلال الانتخاب والترشيح والمداولات والتقارير الجريئة التي قدمتها اللجنة المركزية والتي تضمنت نقدا علنياً بناءاً يكشف عن الاخطاء ويسعى الى معالجتها لا تجاوزها.ومما يسهم اكثر في تاكيد تجدد الحزب كانت الانتخابات الداخلية في المؤتمر تعكس قدرة الحزب البناءة واستيعابه للرفاق في الهيئات القيادية لدرجة ان نصف اعضاء اللجنة المركزية الجديدة هم من القيادات الشابة نوعا ما..واما المرأة فكانت هي التقدم الابرز بحيث حقق الحزب عبر مواصلته لاحقاق حقوق المرأة نجاحاً مميزاً انتخاب عشر رفيقات في الهيئات القيادية دون العمل بنظام الكوتة النسائية وعبر مسيرته الطويلة سعى حشف دوماً الى انكار وجوده وتنحية اسمه العريق عن الساحة الحزبية مقابل وحدة اليسار الفلسطيني وهذا ما طلبه الحزب دائماً وتجلى ذلك في مؤتمره الاخير.اذ كان على جدول اعماله ضرورة السعي الجاد نحو ايجاد وتوحيد جبهة اليسار مما يتطلع اليه الحزب في هذا الجانب ليس يساراً قائم على عبارات المجاملات بل قطباً فاعلاً قادر على استيعاب عفوية الجماهير المخذولة وطبيعياً يلبي تطلعاتها يسار ماركسي تقدمي بقدر ما يكون فلسطيني اصيل..من جه اخرى وبعيداً عن النرجس واثاره المزعجة كان ولم يزل لمؤسسات الحزب الاهلية المدنية الدْور الابرز في تنمية وتطبيق برنامج الحزب الاجتماعي الشعبي ما اسهم في دروه في تنمية قطاع المنظمات الاهلية وبالرغم من بعض الخسائر الا ان العمل الاهلي مازال ميزة يتغنى بها الحزب في كافة الاصعدة.
وبعيداً عن اسواق النخاسة السياسية التي لم يحترفها الحزب يوماً فانه كان موفقاً ولم يزل في بصيرته السياسية المتمثله في برنامجها السياسي الوطني عبر سنواتِ طوال..بحيث كان الجريء والصريح دوماً في طرح الرؤى السياسية التي ادت الى تفهم الحزب في وقت وزمان متاخريْن هما:الجزائر 1988 حيث انضم الحزب الى م.ت.ف وهكذا لم يدخر الحزب جهدا في توحده مع الهيئات والقطاعات والمنجزات التاريخية لشعبنا مع اعرابه دوماً عن رؤاه وارائه دون خجلٍ ووجل..محافظاً على المسافة الصريحة بينه وبين المتاهات والدهاليز المظلمة..فدور الحزب الحالي في هذة الفترة والاجواء الملبدة بغيوم الشقاق والفرقة الوطنية هو التاكيد على ضرورة تفهم اصحاب القضية شعباً واحزاباً..ان م.ت.ف هذه المعجزة التاريخية وهي التي انقذته من برائن الرجعية والقوة الغربية .. واليوم في هذه الذكرى الطيبة لاعادة التاسيس يصر هذا الحزب .. الحزب الشيوعي وعصبة التحرر والتنظيم الشيوعي وحزب الشعب الفلسطيني على دوره التاريخي وسط احترام وتقدير الجميع له..واذا كانت الذكرى قد عاشت والثورة قد دامت ابداً فان الحزب لم يغلق باب الانتماء اليه ولم ينعى ذاته..وهناك في الطلائع الجدد ما يكفل بقاءه على قيد المبادئ والوطن واكتسابه لثقة الجماهير ....
باسم الخندقجي
عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني
يناير 2010