لست أهذي..
ربما هي في ربيعها السادس عشر، أو تجاوزته قليلاً.
يفَرَّ القلب لها حال تراها.
لم يستأذنَّي قلبي، وإنما شق الضلوع وفرّْ.
ولمَ العجب؟
سألته السبب؛ فأجاب وصوته رخيم كأنه يُغني!
غراء فرعاء، وطفاء حوراء، عيونها فيها ألق.
لمياء ميساء، والجيد منها فيه من الطول ما يزيده جمالاً.
لها شفاه كيف أصف؟ ولم يوصف مثلها من قبل، فلا شبيه في الرقة والجمال.
الفرع فاحم وكأنه قُدَّ من ريش غراب أسحمٍ، طويل طول ليل العاشقين،
يكاد يكسوها من الخلف، أو ينقص بقليل.
والقد بان يتثنى، إذا ما حركه النسيم فاحت طيوب الرياحين في رحب الأفق.
الوجه، فيه براءة الملائكة، وأخذ من حسن يوسف الكثير، وشامة الخد زادته حسنا.
الورد على الخد روض تفتح في ربيعه الغناء.
وَنَهَدَ النَّهْدُ وبدء يشكو من ظلم الثوب.
إني أنصت إلى صوت داخلي يُملي عليَّّ كلمات:
"هي وردة في برعم تغتسل بحبات الندى، والوقت ما قبل السحر".
يفوح منها طيبٌ يُشَمُّ ولا يُوصَف.
إذا أتتكَ تكدس ألليلك على الدروب، حتى لا تطأ الثرى.
إذا تبسمت أشرقت شموس ثغرها وأنارت كل الكون.
إذا أسبلت أهدابَ عينيها أشرق بدرٌ وأنار ليل العاشقين.
إذا رنت إليك.. سلبتك الحشا وما حوى، والضلعَ وما خلفَ الضلع وما حوى، واللب تالي الكل.
إذا تحدثت غرَّدَ زريابٌ وردد خلفه كل بلبل وحسون في الكون.
إذا صمتت عرفت أن أروع موسيقى أبدعها الإله هي موسيقى الصمت.
إذا مشت خاصر الطير الأفنان ورقص.
إذا وقفت، رأيت كلَّ لعوب وقد عانقت زهرتها لترشف الرضاب من فيها.
"الحسنُ ما ضمه كتابٌ؛ ولا حوته ريشة الأديب".
تفقدت حالي، ما زال القلبٌ فاراً إليها، وتشبث هناك.
كيف أستعيد؟
وهل حقاً أريد أن أستعيد؟
بتُّّ احلمُ. وتشابكت أحلام اليقظة، بحلم النوم، واختلطت.
ليت أني. .. آهٍ لو أن ... يا ليتها ... لا بد من ...
جاءت..
أهدتني زجاجة عطر.. إنها تعرف عطري..
إنه.. إنها.. أَسْمَعُ ما همست..
ثغرها يهمس في ثغري أسرارا..
تحدثنا.. صمتنا.. طربنا..
وجدت نفسي تُردد كلمات حيْكَت للتو..
داعبَ الطَيْفُ عُيُوني الساهدة.
وشِفاهٌ لِكِعَابٍ بِرِضَابٍ واعدة.
وَحِرَابٌ لِعُيُونٍ بِشُغَافٍ غامدة.
وَحَنَايَا رَاجِفَاتٍ وألِهاتٍ زاهِدَة.
فَاحتَوَيْتُ الطَيِيفَ في قَلْبِي حنان.
ولَثَمْتُ الثَغْرَ زَهرَ الأُقحوان.
وطُيُورُ الحُبِّ تَشْدُو والحِسَان.
وأمَانٍ في شُغَافي راقدة.
وَظِبَاءٍ في فلاةٍ حالمات
بمياهٍ ومراعٍ وارفات.
وصَبَايا حائراتٍ واجفات.
ودموعٌ في عيوني ساجدة.
طفرت دمعة حيرى..
ويبقى الحلمُ حلمًا.
ومتى أفقت وجدت نفسك إما في حال ابتسامٍ أو بكاء.
وجدت نفسي في الحالين معًا.
أكان حلمًا؟ لست أدري.
كيف حلمًا وطيوبها ما زالت في المكان. وهمسها باقٍ حيث همست.
لست أدري.
وهل من هو في مثل حاليَ يدري؟
تنفست هذه الحروف في يوم من أيام "طفولة عاشق"
أبو الفرج تميم فرج