العرب والواقع.. بماذا سيجود علينا المستقبل؟
عبد الستار العياري
3/21/2010
لقد بحت الحناجر وجفت الأقلام...واكتظت حركة مرور الكلمات في الحلق ولم يعد بإمكاننا الكلام عن واقع أليم وبائس وحزين بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من لغتنا المسكينة التي ضاقت ذرعا بسياسة بعض ناطقيها.. التي لن تكون أكثر قسوة ومرارة مما يحدث في الأمة التي تتلقى منذ عقود إهانات متكررة وتحقير لم يسبق له مثيل، وصارت على عقولنا وحقولنا، وأرضنا وعرضنا وحتى داخل بيوت القرار العربي وفي قصورهم الفخمة البائسة..
تجري المسخرة وراء المسخرة 'عايزة أطولها' ومن تعاظم المهازل والنكسات والذل والاحتقار الذي تعيشه شعوب المنطقة ومعظم حكامها صار الجميع في تعايش كلي مع المهازل والإستكانة ...لا تفارقهم ولا يفارقونها...حتى أضحى البعض من عشاق الصمت الحزين...والتواطؤ المفضوح... والخيانات المقننة بشرعيتهم الزائفة.. لا يقدرون على العيش بدون حالهم الحالي الذي تجاوز كل حدود ضوابط الشهامة والكرامة العربيتين. فالمسخرة الأولى هي الوضع العربي البائس والكئيب والمظلم ...سياسة داخلية وخارجية متهرئة، فاشلة، تطغى عليها التناحر بين اللوبيات الموالية والمعارضة 'بدون جدوى' لا الحكومات إستفاقت من سباتها وغفوتها التي طال تراجعها وتخاذلها وأعلنت التوبة...وإن الله غفور رحيم..وشعوبنا كذلك...
ولا المعارضة ومكونات المجتمع المدني تمكنت من اختراق توجهات الأنظمة التي تتسبب منذ عقود في قهرنا وإذلالنا داخل أوطاننا بالقمع والكبت وسد كل منافذ التعبير بحرية عما يحرق صدور هذه الشعوب من ألم وبؤس شديدتين وتصدت بحزم وإصرار لمن قرروا بيعنا خلسة وفي العلن... وخارجها بالتخاذل وبيع كل حقوق الأمة في المزادات العلنية الصهيو- أمريكية بلا خجل ولا استحياء وما يجري في الأراضي المحتلة وما ترتكبه الدولة اللقيطة بحق شعبنا هناك ومقدساتنا يدفعنا إلى دس رؤوسنا في التراب ونخرج من دائرة الحياة بعدما بتنا فقراء للكرامة والعنفوان والتحدي والصمود ...الذي أسسه أسلافنا الأمجاد خلال حقبات التاريخ المجيد لهذه الأمة.. أمة العظماء والشهداء.. لكنها بفعل الفاعلين منها في الوقت الراهن صارت أمة البخلاء البلهاء...
والسذج الركع..رغم أنها قادرة على قلب الأوضاع الرديئة والمخجلة الى ما تصبوا إليه هذه الشعوب المريضة التي أصيبت بدورها بداء العجز واللامبالاة لما يجري لأخواننا ومقدساتنا الإسلامية في فلسطين وغيرها وصارت هذه الشعوب 'على دين ملوكها' هؤلاء القادة والملوك الذين بإمكان واحد منهم فقط أن يغير أحوال صراعنا مع جبابرة هذا العالم ..وبلا حروب أو تجهيز الجيوش وفتح ساحات الوغاء.....فموقف واحد شجاع وجريء من بعض هؤلاء يدعو للمقاطعة الكاملة والشاملة للعدو الصهيوني ستتغير كل الأمور لصالحنا وعلى رأس القادرين على ذلك المملكة العربية السعودية التي على عاتقها واجب أخلاقي وديني يفرضان على قادتها الدفاع عن مقدسات الأمة..وكذلك مصر التي تنعش السياسة الإسرائيلية واقتصادها وأمنها... بإمكانها وضع حد للعربدة الصهيونية المتوحشة...لكن المعذرة يبدو أنني أحلم...
ولا تأخذوا أحلامي على مأخذ الجد...لأن حتى أحلامنا أصبحت كوابيس مزعجة.. المسخرة الثانية هي لعبة تبادل الأدوار بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومن حمتها ورعتها 'السيدة أمركتنا' التي أتقنت الأفلام الهوليوودية السياسية لأجل الضحك على الذقون العربية الساذجة عند البعض - وللأسف الشديد - وشرعت في التناوب بينها وبين إسرائيل التي تمثل رأس الجسد الأمريكي وعقله المدبر..ومن البديهي لا يفصل هذا الرأس عن الجسد سوى سيف عربي بتار...
لكن هيهات زمن الحسام ولى ورجع في ظل قيادة قادة عرب لا يستطيعون حمل سيوفهم التي أصيبت بالصدى بل يستطيعون إعطاء الإشارة للبوليس وعصاه الغليظة لقمع الشعوب المتظاهرة منددة بجرائم رأس الأفعى وجسدها - أمريكا وإسرائيل-فهل من عاقل في زمن ثقافة السريالية ..اللا منطق واللا معقول.. أن يعلن نتنياهو عن بناء 1600 وحدة استيطانية خبيثة جديدة خلال زيارة جو بايدن نائب أوباما للأراضي المحتلة ويعلن في حينها هذا الأخير عــــلى الملأ التزام واشنطن بأمن إسرائيل التي تشدد الضغط على حلفائها من أجل قصف المنشأ النــووي السلمي الإيراني فقايضها بايدن على هذه الحماقة مقابل الفتك بالفلسطينيين ومقدسات المسلمين من أجل التريث وعدم التسرع لإن الإدارة الأمريكية تعلم علم اليقين بعواقب المساس بإيران عسكريا التي باتت لا تخشى أحدا وهذا ما لا يرضي لا أمريكا ولا إسرائيل وكذلك البعض من عربنا 'الأشاوس'.
مثل بعض ما يسمون بالقادة الفلسطينيين في زمن النكبة هذه الذين يدعون إلى عدم القيام بانتفاضة ثالثة بل سيتصدون لمن يخرج عن قانون دايتون وإخوانه هناك في الضفة الجريحة.. ولم تتوقف المسخرة والتمويه واحتقار العرب وكل المسلمين فتطلع علينا السيدة كلينتون مرة أخرى وتشدد على أمن 'إسرائيلتهم' المدللة وتطلب من مستعربينا التطبيع عبر ما يسمى بالمفاوضات معها.. ونحن شعوبا وحكاما نمسك بذيل الثور الهائج ونتبعه خوفا من الفتك بنا أكثر...فهل يا ترى سيجود علينا المستقبل بمسخرة أكبر وأعظم من هذه الفضائح السياسية والأخلاقية .
' إعلامي تونسي
ayari.abdeaar@yahoo.com