شأم الياسمين (بقلم د. فاطمة الصالح)
--------------------------------------------------------------------------------
بمناسبة الجلاء أهديكم إحدى مقالات الصفحة الأخيرة التي كتبتها لمجلة هندسة في أحد أعدادها السابقة
شام الياسمين
بقلم الدكتورة المهندسة فاطمة الصالح
الياسمين ... لست أدري سر هذا السحر الذي يحيط به ... لمَ أسرني دائماً واستباح عطره الناعم كتاباتي دوماً؟ ... أهي زهرته الصغيرة التي تطل كطفلة ملائكية هبطت من السماء لتنعم بحضن أمها؟ ... أم هو ذاك العطر الذي يختصر الجمال ويبحر بك في عالم من السحر الحلال؟ ... أم لأن شجيرة الياسمين حين تلهبها أشعة الشمس مع حلول الصيف تشتعل ألقاً مدهشاً أبيض ناصعاً يتساقط على أرواحنا كما يتساقط للثلج على الأرض العطشى فيحيها لتزهر ربيعاً أخضر؟ ...
ارتبط الياسمين بالشام منذ القدم ... يعرفان بعضهما البعض قبل التواريخ والأزمنة ... فتراب الشام موطن الياسمين .... والياسمين زينة الشام وعطرها ... والجمال الرباني البديع تختصره "ياسمين الشام على خدكو حلاوة العسل من شهدك اسم الله عليك ياقمر" ... والأماسي الشامية في دمشق وحلب وكل ربوع سوريا الجميلة تحلو بقرب نافورة رقراقة تطفو على سطحها زهرات الياسمين لتهب المكان عطرها الأخاذ. ولا عجب أن تهادى الناس بأطباق الياسمين في موسمه لمد جسور المحبة بين بعضهم البعض وتبادلوا غراسه في موسم زراعته فهو عندهم هدية ثمينة لها دلالاتها ومعانيها.
وقد طبعت هذه الزهرة ربوع الشام وأهلها بطابع خاص جميل ... طابع يظهر عندما تعصف بهم الشدائد وتزداد النوب ... حينها ترى جسور المحبة المتأصلة في أعماقهم تزيدهم قوة وتآلفاً وتراحماً ووحدة .... فتراهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى ...
هذه هي الشام ياسمينية الهوية والتاريخ ... قديمة كقدم زهور الياسمين على الأرض ... بهية كبهائها ... ناصعة كبياضها ... عصية على الألم والجراح وكلما جرحت زادها الجرح ألقا وعطراً وسحراً ...وكلما زادت حلكة الليل حولها زادت نوراً وبهاءاً ....
فلا عجب إذن أن التفت الشام وأهلها حول من يغرس الياسمين في ربوعها ولا عجب أن تصدت لكل ما يحاك ضدها ومدت جسور المحبة بين أبنائها لترفض كل أنواع الفوضى البناءة منها والهدامة ... لتهدي الكون عطراً يعرفه كل الأحرار والمقاومين ... كل أؤلئك الذين لم تزكَم أنوفهم بعفن الخيانة والمذلة ... ولتثبت للعالم أنها مهما زادت الصعوبات وبرغم بعض الأخطاء الصغيرة هنا وهناك تظل شام الياسمين المفعمة عطراً وشباباً و أملاً ...
__________________
زوروا ديواني في أبيات
http://abyat.com/poet.php?id=229