لا بد من تحرك الضمير
العربي والعالمي
اذا حاولنا رسم صورة مفصلة للمشهد المأساوي الفلسطيني الراهن الذي لم يسبق
له مثيل، سنرى استيطانا يتمدد ويتوسع يوميا ملتهما مزيدا من الاراضي المحتلة مع
استمرار اعتداءات وحشية يومية يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين العزل في
الضفة الغربية تحت سمع وبصر وحماية الجيش الاسرائيلي وحملة تحريض سافرة
تشنها الحكومة الاسرائيلية ضد شعبنا وحقوقه وقيادته، وعلى الاراضي تواصل هذه
الحكومة الاسرائيلية حملات الدهم والاعتقال واجراءات منع حرية التنقل في الاراضي
المحتلة، عدا عن الاستمرار في تنفيذ مخططات تهويد القدس العربية المحتلة
وتفريغها من اهلها الفلسطينيين وفوق هذا وذاك تمارس الحكومة الاسرائيلية ابشع
انواع الابتزاز السياسي بحجزها للمستحقات الضريبية للسلطة الوطنية في محاولة
لتركيعها، كما تسد بممارساتها تلك الطريق تماما امام عملية سلام جادة وحقيقية.
يضاف الى هذا المشهد الازمة الاقتصادية - المالية التي وصفها امين عام الجامعة
العربية نبيل العربي ب «الطاحنة » امس بعد ان نكثت العديد من الدول العربية بوعودها
وتعهداتها بتوفير شبكة أمان مالية للسطة الوطنية ليلتقي هذا النكوث العربي مع
الضغط الاسرائيلي في تجويع شعبنا ودفعه لتقديم تنازلات سياسية، وهو مايدفع
الى التساؤل حول طبيعة المرحلة القادمة وما يرسمه ويحيكه اعداء الحرية والعدالة
والحق لشعبنا وقضيته في مؤامرة جديدة باتت بعض خيوطها واضحة.
ان ما يجب ان يقال هنا ان شعب فلسطين هو المستهدف وقضية فلسطين هي
المستهدفة مهما كان الثوب الذي يرتديه اولئك الذين يمارسون كل هذه الضغوطات
ومهما كانت الحجج والذرائع الواهية التي يسوقونها.
ولذلك وفي الوقت الذي يحيي فيه شعبنا الذكرى الثامنة والاربعين لانطلاق ثورته
المعاصرة وفي الوقت الذي يتفرج فيه العالم اجمع على المأساة الفلسطينية المتواصلة
ولا يهب الاشقاء العرب لنصرة فلسطين وشعبها، فان من الضروري التأكيد ان شعبنا الذي
نهض من تحت الرماد بعد نكبة عام ١٩٤٨ ثم خاض وفجر ثورة حملت لواءحركات التحرر
العالمية وحفرت اسم فلسطين عميقا من ضمير ووجدان كل احرار العالم، هذا الشعب لا
يمكن ان تكسر ارادته وتصميمه على الحرية والاستقلال بعد مسيرته العظيمة على مدى
عقود والتي قدم خلالها قوافل الشهداء والجرحى والاسرى. واذا كان البعض يوهم نفسه
ان فلسطين ستركع بمثل هذه الضغوط المالية - الاقتصادية او بمثل ذلك التحريض
الاسرائيلي السافر والممارسات الاسرائيلية التي أقل ما يقال فيها انها انتهاك صارخ
للشرعية الدولية ولمواثيق حقوق الانسان، فانه يراهن على سراب.
واذا كان المشهد الفلسطيني الراهن لا يخلو من تلك النقطة السوداء التي تمثل
الانقسام المأساوي فان شعبنا لا زال يتطلع وسط هذه التحديات الجسام الى انهاء
هذا الانقسام ويستبشر خيرا بكل المؤشرات التي ظهرت مؤخرا بقرب استعادة الوحدة
الوطنية بين مختلف القوى السياسية خاصة وان شعبنا موحد بطبيعته ولا يقبل
استمرار هذا الانقسام.
كما ان ما يجب ان يقال ايضا ان من العار ان تقف فلسطين وسط كل هذه التحديات
فيما يبقى العالم العربي والاسلامي متفرجا في الوقت الذي يستطيع فيه نصرة
فلسطين واهلها وقضيتها.
ومن العار ان يبقى المجتمع الدولي صامتا ازاء الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها
اسرائيل بحق شعب بأكمله وازاء استهتارها بالشرعية الدولية وبارادة الغالبية الساحقة
لشعوب وأمم الارض التي عبر عنها قرار الجمعية العامة الاخير بالاعتراف بدولة
فلسطينية «تحت الاحتلال » بصفة مراقب في المنظمة الدولية.
ولذلك نقول ان الوقت قد حان كي تسارع الأمة العربية والاسلامية الى نصرة
فلسطين ودعم نضال شعبنا العادل نحو الحرية والاستقلال وحان الوقت كي تعلن
الشرعية الدولية عن رفضها لاستمرار مأساة الشعب الفلسطيني وكي يبادر المجتمع
الدولي بموقف جاد وملزم لتمكين شعبنا من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة
على ترابه الوطني بإنهاء احتلال غير مشروع يعتبر من أبشع الاحتلالات التي عرفها
عالمنا المعاصر.