في ذكرى انطلاقتها ال 48
فتح الحركة والهوية والمشروع الوطني
بقلم: د. أحمد يوسف
في تاريخ حركات التحرر الوطني تنفرد دائماً اسماء قوى نضالية يعود لكفاحها الفضل
في قيادة المشروع الوطني أو الاسهام في بعث الحراك الشعبي لمواجهة المحتل.. ففي
فيتنام – مثلاً - هناك الفيت كونج وهوشي منّه، وفي الجزائر هناك أحمد بن بيلا وجبهة
التحرير الوطني، كما هناك أن نيلسون مانديلا والمجلس الوطني الأفريقي ) ANC ( في
جنوب أفريقيا، أما في إيرلندا فهناك مايكل كولينز والجيش الجمهوري ) IRA (، وهلمَّ
جرا.
وفي فلسطين، هناك أبو عمار وحركة التحرر الوطني )فتح( والتي كان – ومازال - لها
قصب السبق في تنظيم الجهود وتحريك الطاقات الفلسطينية في الوطن والشتات،
وحشدها خلف فكرة العمل المسلح من أجل هدف التحرير والعودة وقيام الدولة
الفلسطينية الحرة المستقلة.
لا شك أن لحركة فتح رمزية تاريخية يجب الاقرار بها، ولها سيرة نضالية لا يمكن
التنكر لها، وتحوي سجلاتها قوائم طويلة من الشهداء والأسرى والمعتقلين والجرحى،
ولها حضور في قلوب الملايين من أبناء فلسطين في الداخل والخارج.. كما أن علينا أن
لا ننسى كيف حافظت الحركة بتاريخها النضالي الطويل وعلاقاتها الدولية على هوية
الشعب الفلسطيني؛ تلك الهوية التي بذلت إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية كل
الجهد في محاولات تغييبها وطمس معالمها.
إن هذه حقيقة يجب أن نعترف بها لحركة فتح، وبدرجات متفاوتة إلى الرفاق في
الجبهة الشعبية الذين واكبوا هم أيضاً مشروع الكفاح المسلح والعمل السياسي منذ
بداياته الأولى.
فتح أبو عمار: الرمز والقضية
ربما يدرك كل من عاش خارج هذا الوطن واستقر به المقام في بعض الدول الغربية
أن السيد ياسر عرفات – رحمه الله – كان هو بمثابة البصمة الوراثية ) DNA ( للشعب
الفلسطيني وهويته الوطنية. لقد كنا - أحياناً - نحتاج لذكر اسمه ونحن نُعّرف بأنفسنا
وببلدنا، حتى يفهم البعض من أي بقاع الأرض نحن، وما الذي يمثله بلدنا العزيز. لقد كنا
نقول لمن يسأل: من أين أنت؟ إنني من فلسطين.. فيرد باستغراب وتردد: باكستان..!!
تشدد على النطق بالقول: فلسطين، فيصدمك رده المتلعثم: أفغانستان..!! تعاود القول
بعناد واعتزاز، لا.. أنا من فلسطين؛ الأرض المقدسة، القدس، المسجد الأقصى، كنيسة
القيامة، ياسر عرفات.. عندها يهز رأسه علامة الفهم، ويردد بإعجاب ياسر عرفات. عندئذ
ترفع له الابهام "أصبع البصمة"، وتقول: نعم.
لقد صنع الأخ الشهيد )أبو عمار( لهذا الشعب هوية الفلسطيني الثائر في وجه
المحتل، وهوية المناضل من أجل قيم الحرية والكرامة الإنسانية، وهوية المنتفض ضد
الظلم والقهر والاستبداد.. هوية رسمت ملامحها كوفية الفدائي وطفل الحجارة الذي
يتحدى - بكل جسارة وإصرار- آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية، ويجدع بمقلاعه أنف
الغطرسة الاسرائيلية، ويكسر شوكة جيش الاحتلال المدجج بآلة القتل والدمار، هوية
الاستشهادي الذي يحمل روحه على كفيّه ليهب لشعبه الحياة، ويبعث - بدمه وأشلائه
الطاهرة - في جسد أمته ربيع النهوض والشهود الحضاري.
هذه هي ملامح القضية في أبعادها النضالية والوطنية والقومية والعالمية، والذي
عبرت عنه استطلاعات الرأي، حيث أشارت بأن أكثر من 85% من العرب يرون أن القضية
الفلسطينية هي قضيتهم، فيما المسلمون يعتبرونها القضية المركزية الأولى للأمة، أما
العالم فقد أعرب عن تأييده لمنح فلسطين وضع "دولة بصفة مراقب" في الأمم المتحدة،
حيث صوتت 138 دولة من بين 193 لصالح القرار.
إن هذا تاريخاً ناصعاً لإخواننا في حركة فتح يجب أن لا نطوي عنه الذكر صفحاً، بل
يوجب علينا أن نتحدث – بإنصافٍ - عنه وأن نشيد به.. اليوم - وفي الذكرى الميمونة
للانطلاقة ال 48 - فإن هذا هو الوقت المناسب لاستدعاء التاريخ وتذاكره، والقول بالفم
المليان: "الفتحاوي أخي، ونِعم الأخ.. وفي قمرة عينيه أشعر بالراحة وأستطيب الأمان
في حياض موطني".
حركة فتح: صفحات البداية ومسار الانطلاق
في منتصف الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي، غادر الكثير من
عناصر الحركة الإسلامية قطاع غزة إلى بلدان الخليج العربي، وذلك إثر الملاحقات الأمنية
التي قامت بها أجهزة النظام المصري الذي كان يتولى الإشراف الإداري على شؤون
القطاع.. وهناك في بلدان الخليج، وجدت هذه العناصر لها ملاذاً آمناً وفرَّ لها البيئة التي
شجعتها على التحرك والتفكير بضرورة قيام حركة تحرر وطني، تعمل من أجل تحريك
الأمة وحشدها بهدف تحرير الوطن السليب.
إن الذي يقرأ تاريخ تلك المرحلة – بتمعنٍ وإنصاف – لا يمكنه أن يُشكك في توجهات
تلك المجموعة أو يطعن في نواياها.. نعم؛ ربما أخذ الخلاف بُعداً أوسع في مداه من كل
التوقعات، حيث كانت النقاشات - في البداية - بين تلك العناصر الإسلامية ذات طابع
فكري، حاول فيه أولئك الأخوة إقناع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين بجدوى الفكرة،
وجذب الجماعة إلى مربع الرؤية التي تبلورت ملامحها لهم، ولكن "الموقف والقرار" كان لدى
الإخوة في قيادة التنظيم الإخواني – آنذاك – هو أن هذا المشروع لن يُكتب له النجاح،
لأن النظام العربي سيعمل على إعاقة تحركاتهم على أراضيه، كما أنه لن يسمح لهم
بممارسة الكفاح المسلح عبر حدوده مع دولة الاحتلال؛ باعتبار أن ذلك يمكن أن يشكل
تهديداً لمصالحه وكيانه السياسي.
على أية حال، انتهت المجادلات أو السجالات الفكرية إلى خروج تلك المجموعة الإسلامية
من التنظيم الإخواني، حيث توسع بعد ذلك مجال عملها وطرائق حشدها لمشروعها
الوطني، وتمكنت من استقطاب الكثير من الشخصيات الفلسطينية المقيمة في دول
الخليج.. وفعلاً كانت هذه النواة الإخوانية المكونة من خليل الوزير)أبو جهاد(، صلاح خلف
)أبو إياد(، سليم الزعنون )أبو الأديب(، محمد يوسف النجار )أبو يوسف(، سعيد المزين
)أبو هشام(، رفيق النتشة )أبو شاكر(، محمود عباس )أبو مازن(.. إضافة إلى إخوانهم في
الحركة الوطنية؛ ياسر عرفات )أبو عمار(، هاني الحسن )أبو طارق(، كمال عدوان )أبو رامي(،
فاروق القدومي )أبو اللطف(...الخ هي من قام بإنشاء حركة التحرر الوطني الفلسطيني
)فتح( التي انطلقت في العام 1965.
في العام 1969، أي بعد عام من معركة الكرامة بالأردن، تمَّ اختيار الأخ )أبو عمار(
رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث نجحت حركة فتح في بسط السيطرة عليها،
ومد أجنحة نفوذها على كل فصائل العمل الوطني المنضوية تحتها.
حاول )الإخوان المسلمون( في الأردن - في أواخر الستينيات - ترميم علاقتهم بحركة
فتح وبمنظمة التحرير الفلسطينية، حينما فتحوا باب التطوع لكوادر الحركة الإسلامية
للالتحاق بالعمل المسلح، والذي كان الأردن - بعد نكسة 67 - منطلقاً له.. وقد احتضنت
الثكنات التي أقامها الإخوان - وعرفت باسم "معسكرات الشيوخ" - الكثير من أبناء الحركة
الإسلامية، والذين وفدوا متطوعين من بلدان عربية وإسلامية مختلفة، ليشاركوا في معركة
تحرير بيت المقدس، وفك قيد المسجد الأقصى الأسير.. وقد أقام الإخوان علاقة تنسيقية
وفي فلسطين، هناك أبو عمار وحركة التحرر الوطني )فتح( والتي كان – ومازال - لها قصب السبق في
تنظيم الجهود وتحريك الطاقات الفلسطينية في الوطن والشتات، وحشدها خلف فكرة العمل المسلح من
أجل هدف التحرير والعودة وقيام الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة.
لا شك أن لحركة فتح رمزية تاريخية يجب الاقرار بها، ولها سيرة نضالية لا يمكن التنكر لها، وتحوي
سجلاتها قوائم طويلة من الشهداء والأسرى والمعتقلين والجرحى، ولها حضور في قلوب الملايين من أبناء
فلسطين في الداخل والخارج.. كما أن علينا أن لا ننسى كيف حافظت الحركة بتاريخها النضالي الطويل
وعلاقاتها الدولية على هوية الشعب الفلسطيني؛ تلك الهوية التي بذلت إسرائيل والحركة الصهيونية
العالمية كل الجهد في محاولات تغييبها وطمس معالمها.
إن هذه حقيقة يجب أن نعترف بها لحركة فتح، وبدرجات متفاوتة إلى الرفاق في الجبهة الشعبية الذين
واكبوا هم أيضاً مشروع الكفاح المسلح والعمل السياسي منذ بداياته الأولى.
ربما يدرك كل من عاش خارج هذا الوطن واستقر به المقام في بعض الدول الغربية أن السيد ياسر
عرفات – رحمه الله – كان هو بمثابة البصمة الوراثية ) DNA ( للشعب الفلسطيني وهويته الوطنية.
لقد كنا - أحياناً - نحتاج لذكر اسمه ونحن نُعّرف بأنفسنا وببلدنا، حتى يفهم البعض من أي بقاع
الأرض نحن، وما الذي يمثله بلدنا العزيز. لقد كنا نقول لمن يسأل: من أين أنت؟ إنني من فلسطين.. فيرد
باستغراب وتردد: باكستان..!! تشدد على النطق بالقول: فلسطين، فيصدمك رده المتلعثم: أفغانستان..!!
تعاود القول بعناد واعتزاز، لا.. أنا من فلسطين؛ الأرض المقدسة، القدس، المسجد الأقصى، كنيسة القيامة،
ياسر عرفات.. عندها يهز رأسه علامة الفهم، ويردد بإعجاب ياسر عرفات. عندئذ ترفع له الابهام "أصبع
البصمة"، وتقول: نعم.
لقد صنع الأخ الشهيد )أبو عمار( لهذا الشعب هوية الفلسطيني الثائر في وجه المحتل الغاصب، وهوية
المناضل من أجل قيم الحرية والكرامة الإنسانية، وهوية المنتفض ضد الظلم والقهر والاستبداد.. هوية رسمت
ملامحها كوفية الفدائي وطفل الحجارة الذي يتحدى - بكل جسارة وإصرار- آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية،
ويجدع بمقلاعه أنف الغطرسة الصهيونية، ويكسر شوكة جيش الاحتلال المدجج بآلة القتل والدمار، هوية
الاستشهادي الذي يحمل روحه على كفيّه ليهب لشعبه الحياة، ويبعث - بدمه وأشلائه الطاهرة - في جسد
أمته ربيع النهوض والشهود الحضاري.
هذه هي ملامح القضية في أبعادها النضالية والوطنية والقومية والعالمية، والذي عبرت عنه استطلاعات
الرأي، حيث أشارت بأن أكثر من 85 % من العرب يرون أن القضية الفلسطينية هي قضيتهم، فيما المسلمون
يعتبرونها القضية المركزية الأولى للأمة، أما العالم فقد أعرب عن تأييده لمنح فلسطين وضع "دولة بصفة
مراقب" في الأمم المتحدة، حيث صوتت 138 دولة من بين 193 لصالح القرار.
إن هذا تاريخاً ناصعاً لإخواننا في حركة فتح يجب أن لا نطوي عنه الذكر صفحاً، بل يوجب علينا أن
نتحدث – بإنصافٍ - عنه وأن نشيد به.. اليوم - وفي الذكرى الميمونة للانطلاقة ال 48 - فإن هذا هو الوقت
المناسب لاستدعاء التاريخ وتذاكره، والقول بالفم المليان: "الفتحاوي أخي، ونِعم الأخ.. وفي قمرة عينيه
أشعر بالراحة وأستطيب الأمان في حياض موطني