دروس المهرجان / بقلم : نبيل عمرو
--------------------------
لم أفاجأ بالحشد الجماهيري الهائل الذي شهدته غزة..
وشهده كل الوطن والعالم، وخشية ان يظن البعض ان في
الامر ادعاء فاني اذكركم بمقال نشر قبل اسبوع بعنوان فتح
يريدها الناس، ولا اريد اكمال العنوان لان فيه ما يجرح.
ونحن في حالة فرح وفخر بواحد من اهم الاحداث الوطنية،
الا وهو الانتفاضة الانسانية التي جسدتها فتح وحلفاؤها
ومحبوها في يوم شتائي مشمس على ارض غزة.
لدي متابعتي للحدث على الشاشات.. شدني قول سيدة غزية ترفع راية فتح. " ان ما
يحدث هو انفجار لمشاعرنا التي سجنت داخلنا فترة طويلة من الزمن"
فما اصدق هذا القول وما ابلغه واعمقه في التعبير عما جرى.
المهرجان المذهل يحتم علي ان اعيد تعريف فتح بعد ان لفها ضباب كثيف، وغيبت
ملامحها عوامل تعرية سياسية شديدة القسوة والتأثير، ما سمح لظهور قول كاد ان
يصبح شعبيا.
"لقد انتهت فتح"
كان يمكن لهذا القول ان يكون منطقيا وحقيقيا، لو ان "فتح" تنظيم ارتبط بمهمة
محددة، او بشخص او مجموعة اشخاص، ولو انها كبلت يديها باصفاد مرحلة وصلت الى
نهايتها بحكم انتهاء مهامها.
لو ان "فتح" كانت كذلك فيصدق عليها قول انها انتهت.
ولكن لأنها حركة الشعب الفلسطيني والتعبير عن واقعه، والمتصدية لمهام حركته
الوطنية، فانها باقية مادام الشعب الفلسطيني باق، ومستمرة مادامت الحركة الوطنية
مستمرة، ويضاف الى ذلك انها وكلما ازداد الواقع الفلسطيني تعقيدا تكون هي الملاذ
والرهان والمخرج.
هكذا يراها الذين احتشدوا في غزة، واحتشد معهم على الشاشات ملايين الفلسطينيين
والعرب، واصدقاؤهم واعداؤهم على السواء، وحين يعبر الناس عن فهمهم لظاهرة سياسية
وطنية فانهم يكونون الاصدق والابلغ.
غير ان ذلك يجب ان لا يحول انظارنا عن الهوة السحيقة بين فتح الناس والضمير
والدور والرهان... وفتح البيروقراطية، فتح الاطارات المتهتكة والواقع القيادي المفكك
والمأزوم.. والصراع الداخلي الذي يبدد الف مهرجان كالذي شهدته غزة، ويعيد الحركة
العظيمة سنوات الى الوراء.
لقد اعاد الناس لفتح اعتبارها ومكانتها الحقيقية في النفوس، لانهم بحاجة اليها
يملأهم حنين لذلك الزمن الجميل، زمن ياسر عرفات وابو جهاد وابو اياد وابو الوليد وابو
السعيد وماجد وكمال وفيصل، والعشرات من قادة الصف الاول، والمئات من قادة الصف
الثاني والالاف من القادة في مواقعهم التي شغلوها بكل الجدية والفاعلية والالتزام.
لفد اعاد الناس لفتح ذاكرتها الصافية الحقيقية التي حفظوها سطرا سطرا، وكلمة
كلمة وحرفا حرفا سوى ان بعض ابناء فتح تخلوا عن ذاكرتهم، لمصلحة حاضر معتل
وغد مليء بالتخيل والوهم، فخسروا حيث ظنوا انهم ربحوا. فحين تتراجع فتح فلا
احد يربح.
لقد اعاد الناس لفتح روحها التي قهرت وعذبت، حتى كانت الذكرى تمر كل عام ولا
حيلة لها على اقامة احتفال متواضع في ساحة ضيقة، الى ان اخذ الناس دورهم التاريخي
في القيادة، وحققوا ما كان عرفات يقول جهارا نهارا.... هذا الشعب أفضل كثيرا من قيادته،
ويمكن اضافة كلمة واحدة لا اكثر ....."وافعل".
وفي حديثنا عن المهرجان، ينبغي ان لا ننسى واحدة من ثوابت فتح، التي صنعت دورها
ومجدها وقوتها، انهم الحلفاء، من يسمون ظلما بالمستقلين، ورجال الفصائل، فهذا الثابت
الذي اعتراه بعض الصدأ، اعاد حضوره من جديد وبفاعلية مدهشة، فكل المستقلين
افرادا ونقابات ومؤسسات، وكل الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير كانت بحق
شريكا اساسيا في الانجاز، ولئن اعترى هذا الثابت بعض خلل وفتور تتحمل مسؤوليته
فتح والحلفاء، الا ان الملامة دائما تتجه نحو الاكبر فهو الاكثر مسؤولية والاكثر حاجة
للحلفاء، شريطة ان يكونوا اقوياء.
كانت هذه نظرية ياسر عرفات رحمه الله حين ساوى في عضوية القيادة العليا بين
اكبر فصيل واصغر فصيل، وجعل المستقلين بيضة القبان، حيث لا غنى عنهم في كل
الظروف، وسحب هذا المبدأ على النقابات والاتحادات وكل المؤسسات الوطنية.
لكي لا ننسب هذا الحدث العظيم ونضعه تحت بند رد الفعل او فشة الخلق، فالتحدي
ان نبني عليه ومن اجله سياسة.
فهل قيادة فتح قادرة على ذلك؟
اما حماس التي حق لها ان تتباهى بدورها في انجاح المهرجان لمجرد السماح به، فلعل
الدرس الاول الذي يجب ان تستوعبه مع "فتح" والاخرين هو الدرس الذي يقول:
لقد دفنت مهرجانات غزة مقولة ان اي فصيل مهما كبر يستطيع القيادة بمفرده،
وتخيلوا لو ان المهرجانين المتزامنين مع فاصل ايام قليلة بينهما كانا مهرجانا واحدا، يقول
كلمة واحدة نعم للحرية والاستقلال فماذا سيقول العالم الذي راوده الظن اننا انتهينا
كفلسطينيين شعبا وقضية وحقوقا.