من ائتلاف متطرف
إلى تحالف أكثر تطرفا
----------------
جرت أمس الانتخابات النيابية الاسرائيلية وكانت نتيجتها شبه محسومة لصالح
اليمين الأسرائيلي. ولم يكن أحد يشكك في فوز حزب بنيامين نتنياهو و"شركائه
الطبيعيين"- على حد وصفه، من المتطرفين اليمينيين والأحزاب الدينية المؤيدة
للاستيطان. وبحسب النتائج الأولية فإن هذه التوقعات كانت صادقة، وهناك
أغلبية واضحة للتيار اليميني الاستيطاني في الكنيست المقبلة.
ومع أن هذه الانتخابات هي شأن داخلي يهم الاسرائيليين بالدرجة الأولى، فإن
القضية الفلسطينية وما يظهر منها، أو لا يظهر، في البرامج الانتخابية للأحزاب
المشاركة في الانتخابات هي التي يلتفت إليها العالم كله، وليس الفلسطينيين
فقط، أو العالم العربي معهم، بطبيعة الحال.
ما لاحظه المراقبون في هذه الحملة الانتخابية هو غياب السلام والمفاوضات ذات
المصداقية عن برامج الأحزاب السياسية الاسرائيلية الكبيرة، وهذا بحد ذاته مؤشر
لافت للنظر بخصوص تصاعد وصعود التيارات اليمينية في المجتمع الاسرائيلي
الذي يقال إن غالبيته تؤيد حل الدولتين والتسوية السلمية مع الفلسطينيين.
لكن هذه المقولة تتناقض جذريا مع التصويت العام في صناديق الاقتراع، الذي
يرسل للكنيست نوابا غالبيتهم من المتطرفين المؤيدين للاحتلال والاستيطان،
ويطالب بعضهم علنا بضم مساحات من الضفة الغربية لاسرائيل.
إن خفوت أصوات الاعتدال وتقلص عدد الداعين إليه في الساحة السياسية
الاسرائيلية ينذر بتداعي العملية السلمية، أو على الأدق استمرار هذا التداعي
والجمود خلال السنوات الأربع القادمة. وهذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته
في مواجهة التعنت والتطرف الحالي لدى القادة الاسرائيليين، وهي ظاهرة من
المؤكد أنها ستتفاقم نتيجة للتركيبة القادمة للحكومة الاسرائيلية، والتي
بحسب كل التكهنات والتحليلات لن تكون حكومة سلام، وإنما ستكون استمرارا
وتعزيزا لسياسات حكومة نتنياهو الراهنة، في الحيلولة دون تحقيق السلام
العادل المقبول على الشعب الفلسطيني والأسرة الدولية.
فالأغلبية النسبية التي سيمتلكها تحالف اليمين منفردا، ستعززها أحزاب مما
يسمى بالوسط أبدت استعدادها للائتلاف مع نتنياهو عشية إجراء الانتخابات،
ومنها حزب "كاديما" برئاسة تسيبي ليفني، وحزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير
لابيد. وهذه الأحزاب التي تصف نفسها بالوسطية، إذا انضمت لائتلاف نتنياهو،
لن تكون أكثر من ديكور تجميلي لحكومة نتنياهو، من شأنه أن يضلل الرأي العام
العالمي، ويتيح للحكومة اليمينية المقبلة أن تطلق يدها في تنفيذ مشاريع التوسع
الاستيطاني، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بترقب قيام الوسط بدور ما في
تحفيز عملية السلام، وهو دور لن يقوم به الوسط، لأن قدرته على التحرك وسط
ائتلاف يميني متطرف ستكون محدودة، وربما مشلولة.
لقد أضاع المجتمع الدولي عقودا وسنوات عديدة في انتظار حكومة اسرائيلية
قادرة وراغبة في تحقيق السلام، لكن هذا الانتظار كان عبثيا. وحان منذ وقت
طويل أوان التحرك العالمي الجاد والفعال لفرض الحل العادل الذي يحقق السلام
والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة كلها. ولن يؤدي مزيد من الانتظار والسلبية
إلا لتصعيد مخاطر التطرف والمواجهات التي قد تمتد إلى خارج الشرق الأوسط،
وربما تهدد السلام العالمي. وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك قبل فوات الأوان، وأن
لا يعود إلى سباته في انتظار انتخابات اسرائيلية أخرى بعد أربع سنوات، ستزيد
التطرف تطرفا، والاستيطان تغولا، والسلام العادل ابتعادا وجمود