آفاق العنجهية الحربية الإسرائيلية المتصاعدة
نصر شمالي
5/12/2010
تتصاعد حدّة التهديدات الأمريكية/الإسرائيلية ضدّ إيران وسورية ولبنان وفلسطين (غزّة) لتبلغ مستوى تلويح الرئيس أوباما باستخدام السلاح النووي. أمّا الذرائع الملفّقة التي تستند إليها هذه التهديدات فتذكّر بتلك الذرائع التي استخدمت لتبرير احتلال أفغانستان والعراق، بل بتلك التي استخدمت لتبرير قصف المدن اليابانية بالقنابل النووية، بعد إعلان حكومة اليابان استسلامها، في نهاية الحرب العالمية الثانية. غير أنّ الظروف الدولية تغيّرت كثيراً في غير صالح الأمريكيين والإسرائيليين بعد حرب العراق وأفغانستان ولبنان وغزّة، وبعد صعود مجموعة الدول الناهضة (المستعمرات السابقة) إلى مركز القرار الدولي. لقد أصبح صعباً جدّاً إقدام الأمريكيين والإسرائيليين على ارتكاب الحماقات والجرائم الكبرى من دون أن ترتدّ عليهم. وتكراراً فإنّه لمن المذهل أنّ الذين استخدموا وحدهم بالأمس السلاح الذري، وأبادوا بطرفة عين مئات ألوف المدنيين اليابانيين،والذين يملكون وحدهم اليوم معظم الأسلحة النووية في العالم، بما فيها الأسلحة النووية الإسرائيلية، يتصدّون وحدهم للخطر النووي الإيراني المزعوم، الذي نفته طهران مراراً وتكراراً. أمّا الأغرب فهو أنّ الإسرائيليين، الذين نهض كيانهم كملاذ آمن لهم، بحجة تعرّضهم للمحرقة النازية، ولحمايتهم من محارق أخرى كما قيل، لم يتوقفوا لحظة واحدة عن ممارسة عمليات الإبادة الشاملة ضدّ الفلسطينيين، ولا يتورّعون اليوم عن التلويح بإحراق الإيرانيين والعرب، وبإعادتهم إلى العصر الحجري!
لقد أنشأت الولايات المتحدة في فلسطين المحتلة ترسانة حربية نووية، تحتوي على حوالي 200 قنبلة، في أواسط خمسينيات القرن الماضي. وكان الهدف من إنشائها ضرب الاتحاد السوفييتي عند الضرورة. ونهض المشروع الرهيب بتواطؤ وتعاون سياسي/عسكري من حلفائها الأطلسيين عموماً. ولعلّ ما يستحقّ الذكر اليوم هو أنّ الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريس أسهم بحكم وظيفته في عمليات إنشاء هذه القاعدة النووية، فقد كان حينئذ مديراً عاماً لوزارة الدفاع الإسرائيلية. كانت فلسطين المحتلة، التي تحوّلت إلى قاعدة استيطانية/ عسكرية أمريكية رئيسية، موقعاً مناسباً تماماً لإقامة الترسانة النووية الأمريكية. وكان المستوطنون الصهاينة المرتزقة أداة مناسبة جداً لخدمة هذه الترسانة واستخدامها بالنيابة عن الأمريكيين عند الضرورة، نظراً لعدوانيتهم المتأصلة ضدّ الأمم الأخرى جميعها، ولنزوعهم الدائم إلى المغامرات الخطيرة، وهي صفاتهم وخصائصهم التي يشير إليها ويؤكّدها الرئيس الأسبق للمؤتمر اليهودي العالمي ، ناحوم غولدمان!
يقول غولدمان في مقابلة صحافية قديمة: 'اليهود يشكّلون شعباً ليس من صفاته التواضع، بل الغطرسة. إنّهم يحبّون أن يحكى عنهم. إنّهم نوابغ في موضوع العلاقات العامة، حيث يسيطرون على الصحف في أمريكا، وكذلك على سلسلة المحطات (التلفزيونية) الكبرى'! تابع غولدمان: 'خذ 'إسرائيل' مثلاً. لقد قال لي أحد كبار رجال دولة أوروبية، لا أستطيع تسميته: 'أيّ شيطان مغرور ركبهم؟ (يقصد الإسرائيليين) هل يعتقدون أنهم أكثر أهمية من الصين والهند كلتيهما معاً؟ إنهم يشغلون أكثر من ضعفي المساحة التي تشغلها الدولتان في وسائل الإعلام'! أضاف غولدمان: 'لقد اعتبر اليهود أنفسهم خارج التاريخ، وهذا ما سمح لهم بإعارة القليل من الانتباه لما يظنّه البعض فيهم. إنّ الغوييم (غير اليهود عموماً) هم في نظر اليهود كائنات أدنى'! وبعد أن تحدّث غولدمان عن مأزق اليهود الخطير، وعن استحالة بقاء 'إسرائيل' بالصورة التي هي عليها، قال: 'إنّ 'إسرائيل' تستطيع البقاء فيما لو أصبحت دولة كالدول الأخرى، فهي إمّا أن تصبح 'مركزاً روحياً' لا يقحم نفسه في السياسة، ويضمن وجوده العالم كلّه (والعرب طبعاً) أو أن تصبح لا شيء! إنني أصرّ على أنّ 'إسرائيل محايدة' ستكون مركزاً فكرياً خصب العطاء. وعلى كلّ حال إذا لم يكن هذا ممكناً فلا أعتقد أنّ 'إسرائيل' سوف تبقى'! وعندما سأله المحرّر: 'هل تقول أنّه إذا حقّق الإسرائيليون السلام فلن يظلّوا يهوداً؟'. أجاب غولدمان: 'نعم، بمعنى ما، إلاّ إذا أصبحت دولتهم ذات طبيعة خاصة، وهو ما أدعو إليه'! (مجلة 'جون أفريك' الفرنسية- 29/10/1980).
إنّ غولدمان يصرّ على تجاهل كون الكيان الإسرائيلي مجرّد صنيعة، ومجرّد قاعدة استيطانية/عسكرية! إنّ اختيار فلسطين المحتلة كموقع لإقامة ترسانة نووية أميركية كان عملاً ضدّ الاتحاد السوفييتي، وهي ترسانة لا تزال ضرورية بعد استرداد روسيا الاتحادية النووية لعافيتها وقوتها ومكانتها.
وكانت إقامة الترسانة النووية الإسرائيلية قد حقّقت منذ البداية جملة من الأهداف المهمة، المتنوعة، منها أنّ الإسرائيليين أخذوا على عاتقهم تحديد المواقع المستهدفة نووياً في الاتحاد السوفييتي بدقّة كبيرة، بالاستعانة بإخوانهم الصهاينة اليهود هناك، الذين كان الكثيرون منهم يحتلون مواقع حساسة في الدولة السوفييتية! ومنها أنّها أضفت على الكيان الإسرائيلي الذي تأسس حديثاً طابع المهابة والمناعة الذاتية في نظر العديد من بلدان جنوب العالم التي صارت تتعامل معه كدولة نووية متقدّمة في جميع الميادين! ومنها أنّ الحكومات العربية راحت تتصرّف، وما زالت، وكأنّ الترسانة النووية الإسرائيلية تستهدف البلدان العربية وحدها، بكلّ ما ترتّب على هذا التصرّف من تخاذل وتبرير، مع أنّها لا تستهدف العرب أبداً، لأسباب عديدة!غير أنّ لعنجهية الإسرائيليين الحربية حدوداً آن أوان اصطدامهم بها، بخاصة وأنهم يدركون في قرارة نفوسهم ارتباط مصيرهم بحاجة الولايات المتحدة إليهم. وفي هذا الصدد كتب إليعازر ليفنه قائلاً: 'إنّ المساعدات الأمريكية لا تأتي بضغط من يهود أمريكا، أو بسبب وجود نظام ديمقراطي في 'إسرائيل'، بل بسبب المصالح المشتركة. ومن هنا فلا يجوز أن تنهج 'إسرائيل' نهج الدولة التابعة، لأنها لا تستطيع البقاء إن أصبحت كذلك، حيث كلّما تراجعت ضعفت قيمتها في نظر أمريكا. إنّ 'إسرائيل' المتقلّصة لا تستطيع التطلّع إلى المساعدات الأمريكية الضخمة التي ستظلّ تحتاجها إلى الأبد، بل هي سوف تتحوّل إلى مصدر إزعاج يستحق النبذ! (صحيفة 'هآرتس 11/11/1973).
لكنّ ليفنه لم يشرح كيف تستطيع 'إسرائيل' أن تنهج نهجاً مستقلاً يمكّنها من المحافظة على المساعدات الأمريكية الضخمة التي ستحتاج إليها إلى الأبد، اللهم إلاّ إذا كان يعني مجرّد التظاهر بالاستقلال، بالاتفاق مع الأمريكيين! إنّ الإسرائيليين يعرفون أنّ مثل هذه الأمنية هي المستحيل بعينه. وهكذا فإنّ وجودهم بالصورة التي هو عليها اليوم مرتبط بالوجود الدولي للولايات المتحدة بالصورة التي هو عليها اليوم، فإذا تقهقر تقهقروا، وإذا انكفأ انكفأوا، وإذا زال زالوا.
' كاتب سوري
ns_shamali@yahoo.com