أنتم الصامدون ونحن الراحلون ...وهل يعيد التواصل صلة الرحم والقرابه بيننا ؟
ججو متي موميكا - تورنتو - كندا
يؤرقني حديث الهجره كما يؤرق المئات والالوف من ابناء وطني والحديث قد كثر عنه هذه السنوات كل يدلو بدلوه وننتظر متى ترسو سفينتنا الى بر الامان ويعود الحق الى نصابه والقوس الى باريها فالحديث عن الهجرة وتشعباتها اصبح ديدن معظم الناس بعد انشطار كثير من العوائل وضياع ابنائهم في دول واصقاع شتى في هذه المعموره .
اخوتي القراء :
دعونا نناقش امور الهجره على نار هادئه لنفهم بعضنا البعض ...فالهجرة تاريخيا ليست وليدة هذه السنين او قبلها بعقود لكنها متجذره في البشريه قبل قرون وهناك دول كبرى تأسست كياناتها على الهجرة وعلى احتضان واستيعاب المهاجرين من شتى انحاء العالم لسد الفراغ والنقص السكاني الهائل فيها نتيجة خسائرها البشريه بعد الحرب العالميه الثانيه وما فعله المتخاصمون في المانيا بقيادة هتلر ودول المحور حيث ابيد مئات الالوف وسلقوا في قدور ماء مغلي وذبحوا بالجمله في اشرس حرب كادت تفني البشريه لولا اندحار الالمان وخسارتهم الحرب المجنونه تلك .
اذا فتحصيل الحاصل ان الهجرة قديمه وان لم تسبق هجرة الطيور الموسميه من قارة الى اخرى فهي عريقه ومضى عليها زمن طويل .
كلنا نتفق على مبدأ واحد وهو الخساره الكبيره من جراء في جميع النواحي وخروج كفاءات وشباب في عمر الزهور يتركون وطنهم لسبب او لاخر نحن ندركه جيدا لكن في عصرنا هذا برزت على الساحه الدوليه مسببات شتى للهجره نتيجة التغييرات الاجتماعيه والسياسيه والديمغرافيه طغت على هذه الساحه فاجبرت نفر ليس بالقليل واضطرته الى ان يهجر اهله وارضه ووطنه ليبدا من الصفر بعد ان ترك السلة والعنب للبقالين يهنأوا بها وهذا المسكين حال وصوله شرع بدفع ضريبة الحياة من اجل البقاء نعم يعمل ولكن يضرب الليل بالنهار ويدفع الضرائب والنفقات وهو يكد ويكدح معظم ساعات النهار ...والحصيله قوت لايموت هل من انسان ركب الجنون راسه ويختار هذا الطريق الوعر والمليء بالاشواك اضافة الى فقدانه حنين الوطن ودفء شمسه وعاطفة احبائه ؟
عزيزي القاريء :
عود على بدء لنناقش ايضا مسالة العوده الى رحاب الوطن وفي احضانه لكن بعد ماذا ؟بعد غسيل ادمغة بعض الشباب الذين بدأوا ينسون اسم بلدهم ومدينتهم وتقاليدهم لا بل حتى عشيرتهم واقربائهم ان لم نبالغ ...دعونا نكون صريحين وبلا مجامله او سكوت عن الحق لان الحقيقه تظهر وهاهي جلية امامكم من من المغتربين الذين مضى على هجرتهم اكثر من عشر سنوات لازال يتقن لغته الاصليه ؟ المهاجر الى فرنسا اليوم يتكلم الفرنسيه وبطلاقه وتطبّع بطبائعها وتعلم عادات الفرنسيين وتسأله يجيبك بالفرنسيه او بلغة الاباء متقطعه او مبتوره ومشوشه لانه نسي معظم مفرداتها ...وكذلك المهاجر الى كندا واستراليا وامريكا اتقن مواطنها الجديد الانكليزيه ونسي العربيه او الكرديه وان بقيت في ذاكرته مفردات من السريانيه والاشوريه ...وكذا المهاجر الى السويد وبلجيكا والمانيا كلها تصب في نفس الخانه ...هذا بالنسبه الى الشباب لكن كيف الحال مع الاطفال وحديثي الولاده وهم صفحة بيضاء يتربون في بيئه اجنبيه اوربيه خالصه ان لم يتدخل الاباء والامهات في بعض التفاصيل بحياتهم كتعلمهم بعض الصلوات او بعض الكلمات الضروريه في البيت والباقي كله يصب في خانة بلد الهجره ؟ هذا واقع الحال فكيف يطالب البعض بعودة المهاجرين الذين تطبّعوا عشرات السنين وحتى اسماؤهم بدأت تبتعد عن تراثنا ومدننا واجدادنا لانهم يشعرون بالحرج او الخجل في مدارسهم واختلاطهم المجتمع الجديد ( يحرجون )من اسماء عربيه سريانيه اشوريه قد تبدو غريبة في مجتمعهم وقيسوا على ذلك بعملية حسابيه بسيطه وبحساب البيدر وغلة’ الفلاح الذكي كم زرع وكم حصد وبالنتيجه فنحن الخاسرون ابناء المهجر بعد ان فقدنا معظم قيمنا الاجتماعيه والتراثيه ونحن نعلق كل تلك الخسارات في شماعة المجتمع المضيف وكاننا عجينة يتلاعب بها الخباز كيفما يشاء ونكون قد خسرنا الخيط والعصفور ونحن سائرون الى المجهول واولادنا واحفادنا يضيعون في هذه المجتمعات ...والبناء الشامخ الذي ورثناه وتركناه بعد رحيلنا بدا يتهدم جدارا جدارا وتسقط لبناته ليصبح رسما مندرسا وبيتا مهجورا ...كقصر العاشق في سامراء وكنيسة سلمان باك ببغداد والاديرة والكنائس الاخرى المهجوره في مدننا .
اخوتي القراء :
بقيت في جعبتنا فقره واحده وهي التواصل بين المهاجرين والصامدين وهل هي ضروره ملحه ام زيارات روتينيه كلاسيكيه فقط لكسر الظمأ وتبليل الرمق ام نوع من الشوق واللهفه للقاء من افترق بعد غياب طويل ...وهل هذا التواصل يشفي غليل الملتقين الاحباب ام يزيدهم غصّة ولوعة وحرقة فؤاد وقلق نفسي خصوصا بعد فراق عشرات السنين ويعود المغترب المسن وقد اكل الدهر وشرب منه الكفايه لا بل وهزل جسمه او مشى معكوف الظهر احدبه مستعينا بعكاز يتكيء عليها ولا مأرب ثاني له بها سوى العجز والشيخوخه مما فاته او فقد معظم بصره وسمعه او تراكمت عليه الامراض لكثرة الاسباب هذا بالنسبه للمسنين اما صغار السن فالعجب كل العجب وانت تلتقيهم وتستقبلهم باحضانك لا ينطقون حرفا بالعربيه والسريانيه ولا تستطيع التفاهم معهم سوى بقبلة او القاء التحيه والباقي صم بكم اخرس اطرش لايفقهون .
هكذا تعلم ابناؤنا في الغربه اخوتي الصامدون وهكذا تربوا في احضان بلدان الثلوج والاصقاع والاعاصير ...فماذا تنفع زياراتهم ان لم تزد معاناة ومرارة المستقبلين وتثير اعجابهم ...فهل تريدوننا ان نعود بلباس اخر وحلة جديده فرضتها علينا الهجرة ونحن ضحاياها ...ولكم الامن والسلام