تمجيد القتلة
يوسي سريد
March 21, 2014
ما الذي يشعر به أبو مازن في صحبة قتلة يسرحون من السجون ويعانقهم ويقبلهم ويُطريهم. فهو منذ كان لم يشارك في ارهاب ومن المؤكد أنه يبغض سفكة الدم الأنقياء.
حصلنا على التفسير هذا الاسبوع، فقد احتشدت قيادة الدولة العليا كلها في ‘حفات شوشانا’ لتُظل بظلها ذكرى الميت وتراثه. فرئيس الوزراء ‘ينحني إجلالا للمقاتل الاسطوري الذي سيكون قدوة للجيش الاسرائيلي دائما’. ورئيس الدولة حزين على ‘اسطورة في حياته وموته، أصبحت صيحة ‘المعركة ورائي’ ‘. وقال وزير الدفاع: ‘شكرا لأنك كنت وستبقى قدوة للجنود والقادة’. ويتلو رئيس الاركان تأبينا لفقدان ‘البوصلة’.
إن تسيون هو الشاب المغامر الذي كان في وقت مضى والذي استهان باوامر الجيش وخرج الى البتراء المحرمة. وسار على إثره هوج ‘الى مكان لم يعد أحد منه حيا’. سيروا على إثره، هذا ما يقوله التيوس للجداء الجديدة، فهو بوصلتكم من ‘كوخاف هروحوت’ (كوكب الرياح). وبعد الذهاب الى البتراء وقعت كارثة، فقد قتلت اخته شوشانا وصديقها عوديد بدم بارد حينما كانا يتنزهان غافلين في الصحراء. وغضبت الارض واهتزت السماء، وكنت آنذاك ولدا وما زلت أتذكر الامر على نحو سيء. وعندها جمع مئير أخوها رفاقا من الوحدة وهجموا تحت جنح الظلام على القبيلة البدوية فقتلوا اربعة من أبنائها من ذوي الحظ السيء. واستدعي دافيد بن غوريون وموشيه ديان للتغطية عليهم وأعفوهم من العقوبة، وهكذا تقررت آنذاك سابقة ‘شارة الثمن’. ولأنها كانت عالية جدا فلا يمكن سوى النزول منها بالسير في إثرها. ويحسن في حالات مكافأة بالمثل مؤسفة، يحسن اغماض العيون.
يا سيدي القاضي ألا تأخذ في الاعتبار قلبا اسرائيليا ممزقا أو قلبا فلسطينيا يهيجه الغضب؟ وهل يتم الحكم فيتجاهل تراثا عربيا يهوديا من الانتقام والمكافأة بالمثل؟ ألا يعلم سيدي أن الدم الساخن يرتفع الى أعلى، الى الرأس؟ هؤلاء هم أبطالنا ونحن نُجلهم ونُحليهم بالأوسمة ويجب أن نجد لهم ما يخفف عنهم العقوبة: فصوت الدم يصرخ الينا فيصيبنا بالجنون ويجب على القضاء وعلى السلطة أن يسمعا. هذا هو الواقع الذي نعيش فيه ونموت فيه، فما هو المعقد فهمه هنا يا سيدي.
إن شيخوخة هار تسيون لم تُخجل فُتوته، فقد بقي مخلصا لنفسه ولنا حتى آخر يوم. إن الشاب المغامر تحول الى عنصري صغير إذ قال منذ زمن غير بعيد: ‘يجب تشديد الامر على العرب في اسرائيل كي لا يريدوا العيش هنا فيغادروا’. ومن ذا لم يمتدح هذا الاسبوع قدراته على التوجيه والقيادة الى الهدف؛ سيروا في إثره.
‘لم يوجد جندي شجاع مثله منذ كان بار كوخبا’: لقد قتل 580 ألف يهودي في التمرد المجنون لبار كوزيبا (صاحب الكذب). الذي يراه كثيرون من حكماء اسرائيل على اختلاف عصورهم مسيح غرور وكذب؛ وخربت 950 قرية وخرج الباقون جالين وبيعوا عبيدا. إن الشجاعة المنفلتة هي احيانا انطلاق لبواعث اكتئابية وتعويض عن ميول الى الانتحار.
كيف يشعر أبو مازن اذا وهو في صحبة القتلة؟ إنه يشعر كما شعر بن غوريون في صحبة مجرمي حرب من عملية المكافأة بالمثل في قبية ومذبحة كفر قاسم؛ وكما شعر شمعون بيرس في صحبة مهشمي الجماجم من ‘الشباك’ في قضية الخط 300؛ وكما شعر حاييم هرتسوغ الذي مال الى العفو عن الارهابيين من الجبهة السرية اليهودية في المناطق؛ وكما شعر بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبني غانتس في الجنازة هذا الاسبوع: برجة طفيفة في جناح التأبين ثم ينقضي كل شيء فورا.
ومن هنا، من ‘حفات شوشانا’ ننقل البث مباشرة الى جبل هرتسل. إن هذه الهيئة الرفيعة كلها تخرج الآن الى هناك للمشاركة في اشعال المشاعل. وفي هذه السنة في يوم الاستقلال السادس والستين ستقف على المنصة المركزية 14 منتخبة وحدهن مُقصيات كما في باحة حائط المبكى أو بمساعدة نساء أو في التربية الدينية أو في حافلة الاحلام الحريدية. إنه عرض رسمي يمجد دولة اسرائيل.
هآرتس 21/3/2014