رحلة
بين ربوع الشوق وقف متأملا ، ضاقت السبل و تغلفت الإتجاهات
أشاح بمنديله من بعيد و برز من نواجذه ابتسامة عريضة و لسانه يقول هيا اقترب .
كادت تقفز اللجينات من فيه المغمور بالشعر الأبيض الكثيف ، يتكئ على عصاه التي
تكسوها الألوان ، تترنح الخطى كراقص باليه لكنه لا يتقن فن الحركات .
توجهت الخطى على استحياء بإتجاه الصوت ، تصافحت الأيادي ، و طلب منه الجلوس
و تبادلا السلام .
من أي البلاد أنت؟
سؤال تردد و لكن بدون إجابة
هل أخبره عن السبل المغلقة أم الفضاء المظلل بلونه الأزرق؟؟؟؟
إتكأ الرجلان على صخرة بظل صنوبرة كبيرة ذات الظلال الوارفة
و الحديث بينهما لم ينقطع ، كلمات بمختلف الألوان تارة عن العشق و تارة عن
السفر و لم ينسوا الحديث عن الصداقات و النجاحات و الإخفاقات .
الحديث مثل موج البحر يعلو و ينخفض ،
تتبعه النبضات و الأحاسيس التي لها العلاقة بالمشاعر
بسمة و لحظات عبوس
تتخللها التنهيدات المتتالية .
حادثة استحوذت على الحديث بينهما ، رحلة في أعماق البحر ،
يجدف بقاربه العباب يبحث عن صيد في الأعماق ،
يستخير ربه أن يرزقه صيدا ثمين يخرجه من بؤس الصبار الذي
ملأ الحياة و أغمض الليل ، و أطفأ أنوار النهار .
خرج الصيد مع الشباك و الجميع يرتقب و الفرحة تغلغلت القلوب ،
يا إلهي سمكة كبيرة ،
كم تزن ؟؟
توقعات متباينة ، بكم يبيعونها ؟؟؟
عاد القارب بإتجاه الشاطئ لعلهم يجدون من يشتري هذا الصيد
ليشتروا بعض ما يلزمهم من طعام و كساء .
دفع لهم ثمنا فرحوا به و تقاسموه و عادوا إلى بيوتهم التي تنتظرهم ببؤسها
و شقاء أولاد يتلوون من الجوع كاشفة سيقانهم ، مرهقة وجوههم .
أما الآن فخرجت أبحث عن رزق يكفلني و يكفل الأولاد
تنقلت الخطى بين الأصقاع و لا سبيل لذلك
كيف أعود و قد أعياني التعب و الترحال
و لم ننجز ما وعدنا به الصغار ، أتنقل من بلد لأخرى باحثا عن رزق .
استجدي من كان كريم الخصال ، لقمة مغموسة بعرق الجبين
تسد لنا رمقا و تقي من السؤال .
ضحك ضحكة عريضة سائلا :
هل تريد أن تشاركني الحياة ؟؟
و أنت تملك من القوة و حسن الخصال ، أحتاج من يصون الأرض و يكرم
بعرقه شجر البستان .
أرهقني التعب و أنا مريض أحتاج لمساعدة من يتقن العمل
نتعاون سويا و لكل منا نصيب
تأتي بأهلك و تسكنوا بجوارنا
و الله يتكفل بالجميع