رحلة مع شاعر ..
--------------------------------------------------------------------------------
رحلتنا هذا اليوم مع الشاعر :
(ابي العلاء المعري )
ولنبدأ .. مع الأعتذار عن طول قصيدته المشهورة ..
(غير مجد في ملتي..)
وحتى لا تملوا وضعتعها بالأخير
فمن هو..؟
هو ابو العلاء احمد ابن عبد اللها بن سليمان التنوخي ..
الشاعر الفيلسوف،,
ولد ب ( معرّة النعمان ) سنة 363 هـ
واصيب بالجدري في الثالثة من عمره.. فكف بصره
تعلم على ابيه .. وغيره من ائمة زمانه ..
واشتهر بحفظه كل ما يسمعه .. من مرة واحدة
وقال الشعر وعمره احدى عشرة سنه ...
دخل بغداد فأقبل عليه السيد المرتضىالمتوفى سنة 436 هـ
اقبالا عظيما .. ثم جفـاه ، ولما رجع الى المعرة ..
اقام ولزم منزله .. ناسكا..
وسمى نفسه ( رهين المحبسين ) قاصدا بذلك ..
محبس العمى ، ومحبس المنزل ..
وبقى فيه مكباً على التدريس والتأليف ،
ونظم الشعر مقتنعاً بعشرات من الدنانير
فى العام يستغلها من عقار لهُ مجتنبا
أكل الحيوان ومايخرج منه مدة 45سنه
( يعني نباتي .. والعرب عرفوها قبل الغرب بمئات السنين !)
مكتفياً بالنبات والفاكهة والدبس ،,
متعللاً بأنه فقير ، وأنه يرحم الحيوان
وعاش عزباً وعمـّر إلى أن مات سنه 449من الهجرة ..
كثير من شعره يناقض بعضه بعضا في حقيقة العالم
والشرائع والمعبود .. وللناس في اعتقاده اقوالا كثيرة ..
لا مجال لعرضها .. والظاهر انه كان شاكــّأ متحيرا ..
ويعتبر بعد المتنبي في شعر الحكمة بل ان البعض
يفضله على المتنبي في الغريب والأخيلة الدقيقة
والطبيعيات والأجتماعيات!
( واستغرب ذلك بالرغم من عزلته ! )
والأخلاق والفلسفة والشرائع والأديان ،,
ولذلك يفضله الأفرنج على ابي الطيب ,,
وهو في هذه الأمور معدوم النظير ..
عندما دنا أجله ..اوصى ان يكتب على قبره..
هذا جناه ابي عليّ *** وما جنيت على أحد
ومن شعره الوصفي الرقيق ..
يا ساهر البرق .. ايقظ راقد السمرلعل بالجزع اعـوان علـى الهـر
وان بخلت عن الأحياء كلهم = فأسق المواطر حيا من بني مطر
ويا اسيرة حجليها ! ارى سفها ..حمل الحليّ لمن اعيا عن النظـر
ما سرت الا وطيف منك يصحبنيسرى امامي وتأويبا على اثـري
لو حط رحلي فوق النجم رافعـهوجدت ثم خيالا منـك منتظـري
وتلوح في شعره احيانا صبغة التشاؤم ..فيقول
الى الله اشكو اننـي كـل ليلـةاذا نمت لم اعدم طوارق أوهامي
فأن كان شرا.. فهو لابـد واقـعوان كان خيرا فهو . اضغاث احلام
اما قصيدته المشهورة .. والتي كنا في الثانوية نتعوذ بالله منها ..
ظنا انها قمة الألحاد.. فهي قصيدة ( غير مجد ٍ في ملتي واعتقادي )
الى ان قرأتها بتمعن قبل سنوات ..
واذا هي مجرد رثاء في فقيه حنبلي ..
اورد صفاته وكناه في جوف القصيدة .. واليكموها..
غَيْرُ مُجدِ ، فـي مِلّتـي وإعتقـادينـوح بــاك ولا تـرنـم شــاد
وشبيه صـوت النعـي ، إذا قيـسبصـوت البشـرفـي كــل نــاد
أبكـت تلكـم الحمامـة ، أم ناحـتعلـى فـرع غصنـهـا المـيّـاد؟
صاح ! هذه قبورنا تمـلأ الرحـب ،فأيـن القبورمـن عـهـد عــاد؟
خفـف الـوطء ! مـاأظـن أديــمالأرض إلا مـن هــذه الأجـسـاد
وقبيـح بنـا ، وإن قـدم العـهـدهــوان الآبـــاء والأجـــداد
سر إن إسطعت في الهـواء رويـداًلا اختيـالاً علـى رفـات العـبـاد
رب لحـد قـد صـار لحـداً مـراراًضـاحـك منتـزاحـم الأضـــداد
ودفيـن عـلـى بقـايـا دفـيـنفـي طويـل الأزمــان والأبــاد
فأسـأل الفرقديـن عمـن أحـسـامـن قبيـل وآنسـا مـن بــلاد
كـم أقامـا عـلـى زوال نـهـاروأنـارا لمـدلـج فــي ســواد
تعبت كلهـا الحيـاة ، فمـا أعجـبإلا مـن راغــب فــي إزديــاد
إن حزنا في ساعة المـوت أضـعــاف سرور فـي ساعـه الميـلاد
خلـق النـاس للبقـاء ، فضـلـتأمــة يحسبـونـهـم للـنـفـاد
إنمـا ينقلـون مـن دار أعـمـالإلــى دار شـقـوة ، أو رشــاد
ضجعـة المـوت رقـدة يستـريـحالجسم فيها ، والعيش مثل السهـاد
أبنات الهديـل ! أسعـدن ، أوعـدنقلـيـل الـعــزاء بـالإسـعـاد
إيه ! لله دركـن ، فأنتـن اللواتـيتـحـسـنّ حـفــظ الــــوداد
ما نسيتن هالكاً فـي الأوان الخـالأودى مـن قـبـل هـلـك إيــاد
بيـد أنـي لا أرتضـي مافعلـتـنوأطواقـكـن فـــي الأجـيــاد
فتسلبـن واستـعـرن ، جميـعـاًمن قميص الدجـى ، ثيـاب حـداد
ثـم غـردن فـي المآتـم وأندبـنبشجـو مـع الغـوانـي الـحـراد
قصد الدهر ، من أبي حمـزة الأوابمولـى حجـى ، وخـدن إقتـصـاد
وفقيهـاً أفكـاره شـدن ، للنعمـانمـالـم يـشـده شـعـر زيــاد
فالعراقـي ،بـعـده ، للحـجـازيقليـل الخـلاف سـهـل القـيـاد
وخطيباً ، ولو قـام بيـن وحـوشعلـم الضـاريـات بــر النـقـاد
راوياً للحديث ، لـم يحـوج المـعروف مـن صدقـه إلـى الأسنـاد
أنفق العمر ناسكـاً ، يطلـب العلـمبكشـف عـن أصلـه ، و إنتـقـاد
مستقي الكـف مـن قليـب زجـاجبغـروب اليـراع ، مــاء مــداد
ذا بنـان ، لاتلمـس الذهـب الأحــمر ، زاهداً في العسجد المستفـاد
ودعا ، أيها الحفيان ، ذاك الشخـصإن الــــوداع أيــســر زا د
واَغسلاه بالدمع ، إن كـان طُهـراًوإدفنـاه بيـن الحشـى والـفـؤاد
واحبواه الأكفان من ورق المصحـفكـبـراً عــن أنـفـس الأبــراد
وإتلوا النعش بالقـراءة و التسبيـحلا بالـنـحـيـب والـتــعــداد
أسـف غيـر نـافـعٍ ، وإجتـهـادلا يـؤدي إلـى غـنـاء اجتـهـاد
طالما أخرج الحزين جـوى الحـزنإلــى غـيـر لائــقٍ بالـسـداد
مثـل مافاتـت الصـلاة سليـمـانفأنحـى علـى رقـلـب الجـيـاد
وهو من سخرت له الإنـس والجـنبمـا صـح مـن شهـادة صــاد
خـاف غـدر الأنـام ، فإسـتـودعالريح سليـلاً ، تغـذوه در العهـاد
وتوخـى لـه النجـاة وقـد أيقـنأن الـحِـمــام بـالـمـرصـاد
فرمته به ، علـى جانـب الكرسـيأم اللهيــم ، أخـــت الـنــآ د
كيف أصبحت ، فـي محلـك بعـدييـا جديـراً منـي بحسـن إفتقـاد
قـد أقـر الطبيـب عنـك بعـجـزوتـقـضـى تـــردد الـعــواد
وإنتهى اليأس منك ، وإستشعر الوجدبـأن لا مـعـاد حـتـى المـعـاد
هجد الساهرون ، حولك للتمريـضويــح .. لأعـيــن الـهـجـاد
أنت من أسرة مضوا ، غير مغرورينمـن عيـشـة بــذات ضـمـاد
لا يغيركم الصعيـد ، وكونـوا فيـهمثـل السيـوف فــي الأغـمـاد
فعزيـز عـلـي خـلـط الليـالـيرم أقدامـكـم بــرم الـهــوادي
كنت خل الصبـا ، فلمـا أراد البيـنوافـقـت رأيــه فــي الـمـراد
ورأيـت الوفـاء ، للصاحـب الأولمـن شيـمـه الكـريـم الـجـود
وخلعت الشباب غضـاً ، فيـا ليتـكأبلـيـتـه مــــع الأنــــداد
فاذهبـا خيـر ذاهيبـن حقيقـيـنبسـقـيـا روائـــحٍ وغـــواد
ومـراثٍ ، لـو أنـهـن دمــوعلمحـون السطـور فـي الإنـشـاد
زحــلٌ أشــرف الكـواكـبِ داراًمن لقـاء الـردى ، علـى ميعـاد
ولنار المريـخ مـن حدثـان الـدهر مطـف ، وان علـت فـي اتقـاد
والثريّـا رهينـة بأفتـراق الــشمـل حتـى تعـد فــي الأفــراد
فليكـن للمحسـن الأجــل الــممـدود رغمـا لآنــف الحـسـاد
وليطـب عـن اخيـه نفسـا وابنـاء اخـيـه ، جـرائـح الأكـبــاد
واذا البحر غـاض عنـي ولـم اروفــلا ريّ بـأدخــار الـثـمـاد
كل بيت للهدم ، مـا تبنـي الـورقاء .. والسيـد الرفـيـع العـمـاد
والفتى ظاعن ويكفيـه ظـل السـدر.. ضــرب الأطـنـاب والأوتــاد
بان امر الآله ، واختلـف النـاس ..فـداع الـى ضــلال .. وهــاد
والـذي حـارت البريـة فـيـه ..حيـوان .. مستحـدث مـن جمـاد
واللبيب .. اللبيب ، من ليـس يغتـربـكـون ..مـصـيـر للـفـسـاد
آمل الا تكون الرحلة مملة هذه المرة
والى لقاء مع رحلة اخرى مع شاعر آخر..