لاتحزن.......
[align=center]
في ليلِ لحظة منسية من عمر وقتي كنت أسير وحدي في غربة نفسي عن نفسي، والأرض تميد بي وأنا أتَّكئ على عكاز أملٍ هارب لم أستطع القبض عليه رغم طويل عناء في محاولة للحاق به، واستنشاق أثير الحرية من كبت لاأدري مصدره، ولامتى أو كيف سكن غرفات نفسي فسرى بها في دهاليز تفوح فيها رائحة كآبة نتنة، بينما كان قلبي يتخبط بظلامِ ليلٍ موحش الخطو يقبع في رأس أحلامٍ مشوشة الرؤية فيُغم عليها عيونَ الطريق. كل ماحولي يكتسي القتام بانزواء فكري في ركن مهجورتملؤه طحالب الصمت وملح الرطوبة. ضجَّت رأسي بصراخ خوفي في غياهب جبِّ المجهول، فأيقظ فيَّ إحساسي المتهالك فوق حرِّ الرمل في هجير التشرد. أمي، أبي، إخوتي ، أخواتي، أصدقائي، هلموا إلي اغتالوا وحدتي بسيف اللقاء والتمام الشمل، وحيد أنا تنهش قلبي وحوش الفراغ بنهم مريع، أنادي وأنادي، أمي لاترد علي حبسها عني العذر بانشغالها بالبيت، ووالدي بالعمل، والبقية كل بهمٍّ يفتك به شأن الوحدة معي. أجدني مقيد بضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنفر من نفسي أمقتها لبعض وقت، تحتد احتجاجا وتجمح بالثورة ضدي، تؤلبني على كل من حولي وحتى عليها، أكرهني، أحاول اغتيالي للخلاص من كوابيس تصطاد أمني بلا رحمة، وتقطف زهور حدائق قلبي الزاهية بعنف عدو ظالم.. تدوسها بأحذية قذرة غريبة لاأعرف عن محتذيها شيئا، أبكي، أتألم، ماأصعب أن يجد الإنسان نفسه وحيدا رغم كلِّمن يحيطون به، أجدهم أمواتا بالنسبة لي ، لايحسون بي ولا يرتقون جراحي النفسية النازفة قهرًا وكرها. وحدها هي أيضا كانت تجلس في غرفتها لاأنيس لها من أهل البيت، تأكل مايقدم لها من طعام، وترد على من يسألها شيئًا بإيماءة من رأسها، تتوضَّأ وتصلي ثم تعود إلى سريرها صامتة إلا من همسات خفيه تصاحبها في بعض الأوقات آه غريبة لاتشبه أهات التألم التي تخرج حارقة من أفواه الموجوعين. ترى ألا تحس مثلي بالغربة والوحدة والافتقار لأنيس يبدد وحشة عمرها الذي شارف على النهاية. بهدوء وحذر اقتربت من غرفتها في الجهة الجنوبية من بيتنا الكبير اختارتها لتكون بعيدة عن الضجيج، قريبة من شرفة الحديقة التي كانت تخرج إليها قبل صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. فتحت الباب.. مددت رأسي الصغيرة أنظر إليها بفضولٍ هذه المرة، رأيتها تنظر إلي بابتسامة عذبه ملأت وجهها سعادة اخترق بعضها جدار رهبتي فانتشت نفسي بشيء من سرور جعلها تدعوني للاقتراب منها بإشارة من يدها ، قبلت يدها فاحتضنتني بحنان كنت بحاجة ماسة له بينما راحت أصابعها تمسح برقة فوق رأسي الصغيرة، فأحسست براحة تتسرب من خلالها إلى قلبي الباكي من قسوة الأيام ، وددت لو أظل في حضنها مدى العمر، هاجمتني نفسي المحاربة بشراسة تطلب تفسيرا عما حدث لي. ابتعدت عنها، وقفت أمامها مستجمعا مابقي لي من قوة
وسألتها بصوت خفيض: جدتي ألا تشعرين بالوحدة؟
نظرت في وجهها أنتظر منها جواب امرأة عجوز، سلبتها الأيام الكثير الكثير من قدراتها الجسدية ، وأبعدت عنها أحبتها موتا أو هجرة، حدَّقتُ في عينيها بفضول طفولة شقية ونفسٍ أمارة، للحظات كنت أتمنى أن أرى دموع الألم تنهمل منهما فأعزِّي ثائرتي بألمها وحزنها على ماضاع منها وعلى ماهي فيه اليوم. خيَّبت جدتي ظني فرأيتُ بين جفونها بريقًا غريبًا يلمع بضياءٍ مدهش وهي تشير لي بيدها إلى السماء ثم تضعها فوق صدرها وابتسامة رضا تشرق فوق ثغرها المرتجف لتزهر في قلبي فرحا يخلصني من أوهام الوحدة بإشارة من يدها المرتجفة تعيد لي قوتي وثبات يقيني، وهي تخبرني بعجز لسانها عن النطق : إنَّ اللهَ معنا.
((لاتحزن إنَّ اللهَ معنا))
"سبحان الله رب العرش المجيد"
بقلم
زاهية بنت البحر
[/align]
موقع نصرة الحبيب عليه الصلاة والسلام
http://www.rasoulallah.net/index.asp
مدونتي
إلا لربيِّ الذي بالذِّكْرِ علَّمني
أنَّ الصلاةَ على المختارِ تُرضيهِ
شعر
زاهية بنت البحر