حَوّاءُ
بقلم الدّكتور حسين أحمد سليم
باحث و مهندس فنّان تشكيلي عربي من لبنان
حَوّاءُ الغِوايةِ, أتَتْ تَحْمِلُ أنوثَتها في غُنْجِها وَ الدّلالِ, وَ قَلْبَها المُتَيّمُ بَيْنَ يَدَيْها يًخْتَلِجُ بالحُبِّ... باكِيَةً تَئِنُّ العِشقَ, تَنوحُ هِيلنلً باسم نونِ النّسْوةِ وَ تَنْتَحِبُ, تَشكو آدَمَ وَ تَتَأوّهُ... تَفُكُّ قَيْدّهُ وَ يُكَبِّلُها, تُطْلِقَهُ وَ يَسْجُنَها, تُعْتِقَهُ وَ يَسْتَعْبِدُها, تَحْنو عَلَيْهِ وَ يُعَذِبُها, تُؤنِسَهُ وَ يُقْهِرُها, تُؤنِسَهُ وَ يَسْتَبِدُّ بِها, تَحْضُنُهُ وَ مِنْها يَنْتَقِمُ؟!...
آدَمُ, آدَمُ, أنْتَ بالحُبِّ مُتّهَمٌ, في سِجْنِ القِوامَةِ, عِشقاً زُجَّ بِكَ, وَليٌّ في وِصايةِ الدّمِ بالتّشاغُفِ... أتَتْ "سَناءُ" بِكَ مُكَبّلاً, وَ تاءُ الغِوايةِ, قاضياً يُحاكِمُكَ, رَحْمَةً وَ مَوَدّةً, عِنْدَ أقواسِ العّدالَةِ... آدَمُ, آدَمُ, مُسلْسَلاً بالحُبِّ في قَفَصِ الإتّهامَ انْتَصبَ, يُخاطِرُ العِشقَ وَ لِهاً, وَ العِشقُ بالجلاءِ يُخاطِرُهُ مُتَيّماً...
حَوّاءُ عُظمى العُنفوانِ, عفيفةٌ, نظيفةٌ, طاهِرةٌ, لا تُقدّرُ بِثمنٍ, تَكبُرُ بِها وَتعظُمُ النّفسُ
الوعيُ رائدُها, وَ العرفانُ مسارها, مستنيرةُ البصيرةِ, تتوامضُ هالةَ نورٍ, كأنّها الشّمسُ
البدرُ أبداً لا يرقى وَضّاءً لإشراقةِ وَجهِها, كَأنَّ البَدرَ وَجهَها, يَعكُسُ لِوجهِ البدرِ ما يَعكُسُ
تَفخرُ بِها وَتعتَزُّ, أينَما حَلَّتْ, حَلَّتْ الرّزانةُ, وَ تَماهى الوِقارُ, فيرقى بِها الحُضورُ وَ المَجلِسُ
إذا حَرّكتْ لِسانَها نُطْقاً, سَما الحَرفُ على لِسانِها, وَ إذا تَنفّسَتْ, دِفءُ الحنانِ تتنفّسُ
نَفسٌ مُطمِئِنّةٌ لِذاتها, راضيةٌ إلى رَجعتِها, لا يَعْلو لَها صَوْتٌ, وَ إذا تَكَلّمَتْ, صَوْتها الهَمْسُ
تَنْتَقي خَيرَ الأعْمالِ لَها, تُساهِمُ فيها, طاهِرةُ الفِكرِِ وَ القَولِ وَ العَمَلِ, وَ لا يُدانيها الرِّجْسُ
لا يَتَناهى الشّكُّ لَها, حَريصةٌ عَلى الفِعْلِ إذا أقدَمتْ, لا تَقْلَقُ وَ لا الوَسْواسُ لَها يُوسْوِسُ
وَ لَيْسَتْ تَخافُ في الله لَومَةَ لائِمٍ, جريئةٌ, قَوِيّةٌ, عَنِيدةٌ, مِقْدامةٌ, لا تُرْعَبُ أبداً, لا تَتَوَجَّسُ
لا يَعرِفُ الحسَدُ دَربَاً لِنفسِها, وَ لا الغِيرةُ لَها بِذاتِها وُجودٌ, لا حِقدٌ, لا ضَغِينةٌ, وَ لا تَحسُّسُ
كَأنّها عَيْنٌ صافيةٌ, نَقِيّةُ الماءِ شَفيفَةٌ, بِالحنانِ تَتَفَجّرُ, وَ كُلُّ الأخلاقِ مَكْرُمةً مِنها تَنْبَجِسُ
وَ إذا الأيّامُ, ألْقَتْ كَلْكَلَها, وَ أثْقَلَتْ عاتِقها, وَ رَزَحَتْ تَنوءُ قَهْراً تَحتَها, تَتَنَفّسُ وَ لا تُعَسْعِسُ
أنْجَبَتْ وَ نِعْمَ ما أنْجَبَتْ, حَمَلَتْ, تَألّمَتْ, تَوَجّعَتْ, تَعَذّبَتْ, وَ ضَحَّتْ, هِيَ الأصْلُ وَ المُؤسِّسُ
لَوْلاها, لا حَياةٌ لَها مَعْنى, وَ لا لِلحُبِّ قَداسةٌ, وَ لا لِلعِشقِ طَهارَةٌ, وَ العَيشُ كَأنَّهُ الرّمْسُ
ما خَطْبُ آدَمَ في العَيْشِ؟! يُعْتِقُ ذَاتهُ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ عِنْدَها, وَ يَتَمَنّى لَها السّجْنُ وَ الحَبْسُ
لَطيفَةٌ صُنْعُ الله, غِوايَتُها فِعْلُ أُنوثَةٍ, مَوَدّةٌ وَ رَحْمَةٌ, تَنْزيلٌ السّماءِ, وَ إلاّ افْتَرَسَ آدَمَ البؤسُ
تَعَوّذَ بِاللهِ مِنْ وِلادَتِها جَهلاً, عُرْفاً وَأدَها في حُفرةِ الّتّقليدِ, فازْدادَ تَعاسَةً بِتَعاسَةِ التّعْسِ
حَمَلْتْهُ جَنيناً, أنْجَبَتْهُ ألماًً, أحَبّتْهُ عِشقاً, عَشِقَتْهُ حُبّاً, دَمَّرَها كُرْهاً, اسْتَبَدَّ انْتِقامٌ وَ بَأسُ
قِوامَةُ الحَقِّ إيمانٌ, وِصايةُ الدّمِ, دِرْعُ أمنٍ وَ سَلامٍ, وِ فِعْلُ صِدْقٍ وَ حَنانٍ, تاجٌ يُعْلا بِهِ الرّأسُ
والعِشقُ أقانيمُ قّداسَةٍ, والحُبُّ في الرّوحِ ذَوَبانٌ, وَ الجِنْسُ رَغَباتٌ, هَذّيانٌ, هَكذا الجِنْسُ
وَاقِعةُ الفِرْدَوْسِ فَضيحَةٌ, الأفعى كَيْدٌ, وَ التُّفّاحَةُ اشْتِهاءٌ, وَ حَوّاءُ غِوايَةٌ, وَ شيْطانُ يُوسْوِسُ
كَيْدُ حَوّاءَ, غَريزَةُ أفعى, قَلْبُها تُفّاحَةُ شَهْوَةٍ, وَ شَوْقُ آدَمَ تَشاغُفٌ, وَ مَعْظَمَةُ اللِقاءِ العُرْسُ
مُعادَلَةُ الحُبِّ تَغيّرَتْ, حَوّاءُ تَنْتَشي وَليمَةَ آدَمَ, والعِشقُ مَرارَةٌ, وِ لَيْسَ لِسُنّةِ الله حَنْسُ
شهْوَةُ الجِنْسِ, اسْتِمْرارُ الحَياةُ, والإنْجابُ قَهْرٌ, عَذابٌ, ألمٌ, وَجعٌ, أنينٌ, وَ الجِنسُ لَذّةٌ وَ أنْسُ
نِصْفُ الحَياةِ آدَمَ, وَ حَوّاءُ نِصْفَها الآخَرُ, وَ الحَياةُ تَعبٌ, عَصْفٌ, إعْصارْ, وَ وَسْواسٌ خُنَّسُ
حَوّاءُ وَهَجٌ آخَرَ, حَرَّرَتْ آدَمَ مِنْ قَيْدِهِ, كَبَّلَها, اسْتَعْبَدَها, أعْتَقَتْهُ, واللِقاءُ نَشْوَةٌ وَ بِئسُ
وِ حَوّاءُ إنْ تَهاوَنَتْ, سَقَطَتْ لِدَرَكاتٍ سُفْلى, وَ عاشَتْ ظَلاماتَ النّفْسِ بِثمنٍ بَخْسِ
وَ إذا حَوّاءُ سَمَتْ وَ تَرَقّتْ, عَرَجَتْ لِلعُلا, تَتَسَنّمُ دَرَجاتَ النّعيمِ, روحٌ تَشِفُّ وَ نَفْسُ
حَوّاءُ هِيَ الأمُّ, الشّقيقَةُ, الأخْتُ, القَرينَةُ, الزّوْجَةُ, الكَريمّةُ, البِنتُ, لا فُجورٌ أوْ رِفْسُ
أقْطابُ الحُبِّ, آدَمُ وَ حَوّاءُ, وَ العِشقُ مَسارٌ, وَ الدُّنْيا دارُ فَناءٍ, تَحْلو وَ يَسْكُنُها الإنْسُ
لَيْسَ في الدُّنْيا مَخْلوقٌ إنْسانِيٌّ, إلاّ وَ آدَمَ لَهُ أبٌ, وَ الأمُّ حّوَّاءُ, وَ النّفْسُ هِيّ النّفْسُ
آدَمُ, آدَمُ, تَقْوَى الله حَوّاءُ, وَ مِنَ الإيمانِ, حَوّاءُ حَوَّاءُ, تَقْوىَ الله آدَمُ, فَلا رِفْسٌ أوْ رِجْسُ