"ستة أيام في الفلوجة": اللعب بدم العراقيين
تناولت "فورين بوليسي" لعبة فيديو تحمل اسم "ستة أيام في الفلوجة"، مستوحاة من معارك الأميركيين في الفلوجة، فقالت إن استغلال الغرب آلام العراقيين في لعبة ترفيهية مستهجن أخلاقيًا.
إيلاف من بيروت: تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية لعبة فيديو تُطرح قريبًا في الأسواق، تحمل اسم "ستة أيام في الفلوجة"، مستوحاة من معارك الأميركيين في الفلوجة في عام 2004، فقالت إن استغلال الغرب آلام العراقيين في لعبة فيديو ترفيهية مستهجن أخلاقيًا، ويزيد العداء ضد المسلمين.
في هذه اللعبة، اللاعب هو قنَّاص في الجيش الأميركي. ووفقًا للفيديو الدعائي للعبة الذي أصدرته شركة "هاي واير غايمز" مطورة اللعبة، وشركة "فيكتشورا" ناشرة اللعبة، يؤدي اللاعب دور جندي في "المارينز"، يدخل من دون دعوة منازل العراقيين الأبرياء محاولًا تطهير الفلوجة من المسلحين، وذلك في معركة الفلوجة الثانية.
تشير المجلة إلى أن الهجوم على المدينة الذي وقع في أواخر عام 2004، بعد عام من خطاب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش آنذاك "المهمة أُنجِزت"، يُعد مثيرًا للجدل في أفضل الأحوال وجريمة حرب في أسوئِها، إذ أدت معركة الفلوجة الثانية إلى مقتل نحو 800 مدني عراقي، ونحو 100 جندي أميركي وبريطاني. ومثلت هذه المعركة لحظة مؤلمة للغاية في التاريخ لا تزال تطارد خيالات كثير من العراقيين. وخلَّفت هذه الحرب دولةً في انهيار اقتصادي، وبنية تحتية المنهارة، وعددًا هائلًا من القتلى المدنيين، وقد كانت يومًا مزدهرةً.
إن استغلال المآسي التي عاشها العراقيون في حياتهم الواقعية في الترفيه أمر مستهجن أخلاقيًّا، وتقديم فرصة اللعب على اعتبار أن مَنْ يمارسون اللعبة جنود أميركيين في الفلوجة، وارتكاب جرائم افتراضية لا يؤدي إلا إلى تفاقم الصدمة المستمرة التي يعاني منها العراقيون في جميع أنحاء العالم. ولا ينبغي على الإطلاق نشر هذه اللعبة. وبحسب الصحيفة، يستحيل إعادة سرد قصة الفلوجة من دون سياق الفظائع التي تم ارتكابها في المعركة، خصوصًا بعدما اعترف مطورون اللعبة أن الحوادث التي أُعيد إنتاجها في "ستة أيام في الفلوجة" لا تنفصل عن السياسة. وعلى الرغم من هذا الاعتراف بـ "سياسية" للعبة، فشل مطوروها في فهم تداعيات إعادة إنتاج حوادث الفلوجة للترفيه. فهذه ليست مجرد لعبة.
أدرك شركة كونامي اليابانية، أول ناشري اللعبة، عيوب هذه اللعبة، فأوقفت إنتاجها منذ أكثر من عقد من الزمان بعد انتقادات وجهها قدامى المحاربين الأميركيين في حرب العراق والسياسيين ومحبي ألعاب الفيديو. لكن بيتر تامت، العقل المدبر للعبة، لم يتخلّ عن الفكرة أبدًا. والآن، حوَّل مطورو اللعبة الجدد هذه الحقبة من التاريخ إلى محاكاة لتبييض وجه العدوان العسكري الأميركي وتحويله إلى أعمال "تضحية وشجاعة". وربما ليس من المستغرب عدم وجود مطورين عراقيين ضمن فريق الإنتاج، وأجرى مطورو اللعبة مقابلات مع 26 مدنيًّا عراقيًّا فقط.
بحسب الصحيفة الأميركية، بعد أيام من صدور المقطع الترويجي للعبة، وقَّع أكثر من 16 ألف شخص، معظمهم من العراقيين، على عريضة تطالب بإلغائها، بعدما ساد شعور بالصدمة بين العراقيين. وفي المقطع الدعائي، يُظهِر أحد المشاهد المثيرة للغثيان على نحو خاص أن اللاعب يقتحم غرفة مضاءة إضاءة خافتة لتنطلق منها صرخات عائلة عراقية مُسالِمة ترتجف أمام أحد أفراد المارينز.
لم ينجُ الكثير من العراقيين من هذه المداهمات. ونسبت الصحيفة إلى النائب الأميركي السابق دنكان هنتر، وهو جندي متقاعد من مشاة البحرية الأميركية وقاتل في معركة الفلوجة الأولى، قوله: "كنت ضابطًا في سلاح المدفعية. أطلقنا مئات القذائف على الفلوجة، وقتلنا على الأرجح مئات المدنيين. وربما قتلنا نساء وأطفالًا".
يبرر مطورو اللعبة سبب تركيز مشاهد اللعبة على أشخاص يرتكبون تلك الفظائع، وهم عناصر في الجيش الأميركي، لكن تبيراتهم ليست مقبولة. يقول الرئيس التنفيذي لشركة فيكتشورا: "قلة قليلة للغاية من الناس يعتريهم الفضول لمعرفة حقيقة أن يكون شخص ما مدنيًّا عراقيًّا، لن يلعبها أحد من هؤلاء". وقد أورد البيان الصحفي للعبة أنه يسمح للاعب أن يقوم بدور أب عراقي أعزل يحاول إخراج عائلته من المدينة، من دون أن يذكر البيان أن الجيش الأميركي حاصر الآباء داخل المدينة ومنعهم من الخروج. وقبل بدء العملية العسكرية في الفلوجة، أُلقيت عليها منشورات تطلب مغادرة النساء والأطفال. مُنِع الرجال من الهروب بعدما اصدر الجيش تعليماته للقوات الأميركية بإعادة جميع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و55 عامًا لأنه يعتقد أن عديدًا من رجال الفلوجة هم من مقاتلي الجماعات المسلحة".
كانت معركة الفلوجة الثانية مشينة بالنسبة إلى الأميركيين، استخدموا فيها الفوسفور الأبيض فيها. ولم تعترف القيادة الأميركية بذلك إلا بعد عام من المعركة. وحتى الساعة، لا يزال الأطفال الناجون من المعركة يعانون الحروق، كما يعاني الأطفال الذين وُلدوا في الفلوجة بعد سنوات من الصراع نسبًا عالية من الوفيات والعيوب الخِلقية كالولادة برأسين أو من دون رأس أو بعين واحدة في جباههم أو أطرافهم مفقودة".
اليوم، بعد السير في شوارع الفلوجة التي يغطيها بالركام، يمكن اللاعبون إطفاء وحدات التحكم ثم العودة إلى عائلاتهم، "لكن العراقيين لا يجدون زر الإطفاء للتخلص من معاناتهم، وهم يستحقون أفضل من تسطيح صدمتهم في روايات ثنائية الأبعاد للترفيه عن الجمهور الغربي، لأن حياتهم ليست لعبة.