دولة ثنائية القومية هنا؟
الكسندر يعقوبسون
31/01/2010
لما كان تقسيم البلاد الى دولتين قابلتين للحياة لم يعد ممكنا، فان من يؤمن بالمساواة ملزم بان يؤيد دولة ثنائية القومية ديمقراطية من البحر الى النهر. هكذا يدعي ميرون بنفنستي (ملحق 'هآرتس' 22/1). برأيي، العكس بالضبط هو الصحيح. لما كان واضحا ان الدولة التي يقترح بنفنستي اقامتها بدلا من اسرائيل لن تكون ديمقراطية ثنائية القومية فإن من يؤمن بالمساواة (خلافا لمن يؤمن بالحاجة للخضوع للقومية العربية المتطرفة) ملزم بان يتمسك بمبدأ الدولتين للشعبين. هذا الحل ممكن بالتأكيد اذا ما رغب فيه الطرفان حقا نعم، الطرف الفلسطيني ايضا والذي يحرص بنفنستي على عدم مراجعة مساهمته في الوضع الحالي.
'الدولة الواحدة موضع الحديث ستكون دولة مع أغلبية عربية اسلامية متماسكة (ستنشأ بسرعة كنتيجة لتحقيق حق العودة) في قلب العالم العربي الاسلامي. من أجل الايمان بان هذه الدولة ستكون حقا ثنائية القومية يجب الافتراض بان الشعب العربي الفلسطيني سيوافق، على مدى الزمن، بان يكون الشعب العربي الوحيد الذي لن تحمل دولته طابعا عربيا صرفا ولن تعرف بشكل رسمي كدولة عربية وكجزء من العالم العربي؛ وأن هذا التنازل، الذي لم يقدمه أي شعب عربي في صالح الاقليات الاصيلة في المنطقة، سيوافق رجال فتح وحماس على تقديمه في صالح 'الغرس الغريب' الصهيوني، الذي مجرد دخوله الى المنطقة يعتبر غزوا استعماريا.
وكي نفهم كم هو باطل هذا السيناريو، لا توجد حتى حاجة لطرح اسئلة صعبة في موضوع الديمقراطية والموقف من الاقليات في العالم العربي وفي المجتمع الفلسطيني. يكفي الانصات الى خطاب كل التيارات ذات الاهمية في الرأي العام العربي والفلسطيني: حتى اولئك الذين يصرحون بتمسكهم بالديمقراطية يقسمون الولاء للعربية. كي تنشأ دولة ثنائية القومية، لا يكفي ان يتنازل اليهود عن الدولة اليهودية: على العرب أن يتنازلوا في فلسطين بعد الغاء الدولة الصهيونية عن الدولة العربية. دولة ثنائية القومية هي شكل من النظام نادر في العالم الديمقراطي وغير موجود في الشرق الاوسط. ولا يوجد ما يدعو الى الافتراض بانه سيصار الى انتهاج هذا التجديد بالذات في صالح الصهاينة، ولا يمكن لأي شيء يكتب في دستور هذه الدولة ان يجدي امام علاقات القوى المهزوزة التي ستنشأ فيها وحولها. لقد سبق ان رأينا كل انواع الدساتير.
لم يقترح أحد بعد ردا معقولا، متساويا وغير قوي، لمسألة لماذا هي رغبة الشعب اليهودي بالاستقلال الوطني شرعية أقل من تطلعات الاستقلال للشعوب الاخرى. ولكن دون أي صلة بالجدال الايديولوجي في هذا الشأن، فالبديل للدولة اليهودية الذي يقترحه بنفنستي هو ببساطة بلا أساس. وحتى من لا يهتم بالقومية اليهودية وبأي قومية كانت ينبغي أن يعرف (اذا كان مستقيما مع نفسه) بانه في ظروف الزمان والمكان فان استمرار وجود دولة اسرائيل بنواقصها الكثيرة وفضائلها الهائلة هو السبيل لضمان الحد الاقصى من الحرية والمساواة والحد الاقصى من الرفاه للحد الاقصى من الناس. لا يدور الحديث فقط عن صالح المواطنين اليهود في الدولة. عمليا يقترح بنفنستي ان نعمل بكل العرب في اسرائيل ما يثير اشمئزاز سكان ام الفحم عندما يقترح عليهم ذلك: فرض حكم فلسطيني عليهم.
الادعاء بان المستوطنات جعلت الاحتلال لا مرد له ولا مفر من دولة ثنائية القومية يقوم كله على اساس الافتراض بان الاقلية اليهودية لا يمكنها ان تعيش في دولة عربية فلسطينية. فلا يوجد للفلسطينيين مشكلة ديمغرافية. اغلبية عربية كبيرة مضمونة في دولتهم، حتى لو بقي المستوطنون، او بعضهم، تحت سيادتها. فلماذا لا يقترح بنفنستي حلا كهذا؟ يبدو انه لا توجد له ثقة كبيرة في فرص التعايش المحترم بين اغلبية عربية واقلية يهودية في دولة واحدة، رغم أنه باسم هذا المثال الاعلى يقترح الغاء دولة اسرائيل.
وبالفعل، يوجد سبب وجيه للشك في هذا الشأن، في اعقاب التجربة الاقليمية المشوهة. ولكن اذا كانت هناك فرصة لمثل هذا التعايش فهي منوطة بان توجد دولة يهودية الى جانب المكان الذي تجرى فيه هذه التجربة وتكون مستعدة لان تستوعب كل يهودي تتحول حياته هناك الى متعثرة (كما حصل لليهود في كل العالم العربي). الحل هو إذن التقسيم في ظل تحديد مبدأ ان في الدولة الفلسطينية يمكن ان تتواجد اقلية يهودية مما يفكك لغم الاحتلال لا مرد له، والذي يزرعه المشروع الاستيطاني في طريق الشعبين.
هآرتس 29/1/2010