قصة تدمير المشروع النووي العراقي بدأت بعملية (أوبرا) وانتهت بالغزو الأمريكي للعراق ...
قاسم محمد داود
قصة تدمير المشروع النووي العراقي بدأت بعملية (أوبرا) وانتهت بالغزو الأمريكي للعراق ...
في 7 حزيران 1981 أي قبل نحو واحد أربعين عاماً وبينما كان العراق في خضم حرب ضروس مع إيران قام سرب من طائرات إيجل إف15 و فالكون إف16 الإسرائيلية بالأغارة على مركز الأبحاث النووية العراقي الذي يضم المفاعل النووي للأغراض السلمية "تموز" وكان يشرف على أنشائه مهندسون فرنسيون وإيطاليون في منطقة التويثة على بعد 16 كيلومتر جنوب قلب العاصمة بغداد وضربه وتدميره جزئياً، وأسفر أيضاً عن مقتل مالا يقل عن 10 عراقيين وفرنسي واحد. ولأن المشهد على مسرح السياسة الدولية هذه الأيام حول النووي الإيراني وتهديدات إسرائيل سنعود إلى بدايات العراق مع الذرة واستخداماتها.
كان العراق قد حاول منذ ستينيات القرن العشرين الدخول رسمياً في النادي النووي السلمي وربما العسكري عبر برنامج نووي طموح، لذلك أسس العراق منظمة الطاقة الذرية العراقية التي تولت بناء مركز الأبحاث النووية، ومع نهاية الستينيات أكمل خبراء من الاتحاد السوفياتي عملهم في تشييد مفاعل للأبحاث بقدرة 2 ميغاواط في منطقة التويثة وبلغ عدد العاملين في البرنامج النووي العراقي نحو 1500 شخص ما بين عالم ومهندس وتقني وأداري، وساهم فيه علماء كبار في مجال الذرة، وفي مطلع عام 1975 وبعد ارتفاع عائدات النفط نتيجة التأميم في عام 1972، قرر العراق إنشاء مفعلات نووية للأغراض السلمية. وافقت فرنسا على بناء مفاعلين نوويين في العراق بموجب أتفاق ثنائي يقضي باستخدامهما للأغراض السلمية وخضع المفاعلين لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكانا مشابهين للمفاعلات النووية في مركز الأبحاث النووية التابع لوكالة الطاقة الفرنسية (CEA) حيث كان المفاعل الأول (تموز1) بقدرة 40 ميغاواط والآخر(تموز2) لأغراض التدريب بقدرة 600 كيلوواط. ونص الاتفاق على ان تدرب فرنسا 15 من العلماء والمهندسين العراقيين في مركز (سكالاي) الفرنسي على تشغيل المفاعلين. في17 تشرين الثاني 1975 تم توقيع العقد وبوشر بالعمل في الأول من شهر حزيران من العام التالي وتم إكمال البناء في الأول من شهر شباط عام 1980. لكن الفرنسيين أدخلوا تبديلاً مفاجئاً في العمل يتعلق بنوع الوقود النووي الذي يراد استعماله في المفاعلين، فبدلاً من وقود نووي ذو قدرة عالية 80% استخدموا نوعاً يسمى (الكراميل) وهو ذو قدرة لا تتجاوز 18% وقد صمم الفرنسيون هذا النوع من الوقود حتى لا يكون بمقدور العراق استخدام الوقود الأصلي لإنتاج سلاح نووي.
في يوم 7 حزيران 1981 وقبل يوم واحد من افتتاح المفاعل رسمياً من قبل الفرنسيين؛ أقلعت الطائرات الإسرائيلية من طابا في سيناء على البحر الأحمر وحلقت على علو منخفض فوق الصحراء شمال السعودية والعراق كي لا يتم رصدها وقامت بضرب مركز التويثة للأبحاث النووية.
مسار الطائرات الإسرائيلية
ومن خلال تصريحات صدرت عن مسؤولين إسرائيليين ووثائق نشرت بعد تنفيذ العملية التي سميت (اوبرا) سنتابع مراحل الأعداد والتنفيذ:
1ــ القرار
أعيد انتخاب مناحيم بيغن في عام 1981 رئيساً لحكومة إسرائيل فأتخذ قراراً بتدمير المفاعل النووي العراقي، مبرراً قراره بأن (مفاعل تموز1) كان على وشك أن يعمل ولابد من إحباط محاولة بغداد استخدام هذه المفاعلات لإنتاج أسلحة نووية تستخدم ضد بلاده، التي تمكنت من إنتاج نحو 200 قنبلة نووية من مفاعلها الفرنسي الأصل المسمى (مفاعل ديمونا) خلال ثلاثة عقود.
أما الجنرال ديفد عبري قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك فقد قال "بأن الحديث عن التهديد النووي العراقي بدأ سنة 1976 لكن لم يتخذ قرار إسرائيلي للتخلص منه إلا في سنة 1981 وذلك بعد استكمال معلومات أمنية واستخبارية وصلت من داخل العراق عن المفاعل والمراحل التكنولوجية التي وصل إليها، عبر تجنيد عملاء بعضهم خبراء أجانب عملوا في المفاعل العراقي والعمل على جمع المعلومات بأشراف نائب رئيس الموساد في ذلك الوقت ناحوم أدموني. ونجحوا في تجنيد فنيين وسكرتيرات وموظفي الخدمات اللوجستية من الفرنسيين، سواء لأسباب أيديولوجية أو بدفعهم مبالغ ضخمة. هكذا تمكنت إسرائيل من الحصول على المخططات التفصيلية ووثيقة كتبها علماء فرنسيون تلخص كل الاتفاقات الموقعة مع العراق، كما تم تجنيد عالم فيزياء نووية من جامعة بن غوريون هو الدكتور رفائيل أوفك.
عرض التلفزيون الإسرائيلي مساء يوم 18 نيسان 2007 فيلم وثاقي تضمن صوراً التقطها الطيران الإسرائيلي خلال الغارة التي شنت على المفاعل وحسب هذا الفلم فإن أجهزة المخابرات في جيش الإحتلال الصهيوني هي التي أشرفت على تنفيذ هذه الغارة. وذكر الفلم بأن إسرائيل استخدمت في الغارة طائرات من طراز (F16) كانت واشنطن تنوي تسليمها لشاه أيران ولكن بعد ثورة الخميني أعطتها لإسرائيل وكان من المفترض ألا تتسلمها إلا في عام 1982، وكشف الفلم كيف تدربت مجموعة الطيارين الثمانية منذ وقت طويل وبسرية متناهية على التحليق على علو منخفض خصوصاً فوق قبرص والبحر الأحمر. وقد أخذت جميع المخاطر في الاعتبار خلال الغارة على المفاعل، وخاصة ما يتعلق بالأعطال واحتياطي الوقود والنيران الأرضية المضادة والأخطاء الملاحية. وبالإجمال فقد شارك 230 شخصاً في العملية، وحث رئيس الأركان الإسرائيلي حينها الجنرال رافاييل إيتان ـ الذي كان يخشى حصول تسريب لأخبار العملية ـ رئيس الوزراء بيغن على إعطاء الأمر للبدء في تنفيذ العملية، ثم خاطب الطيارين المكلفين بالهجوم قائلاً "إذا وقعتم في الأسر فقولوا كل ما تعرفونه.. أنتم تعتقدون أنكم تعرفون الكثير ولكنكم لا تعرفون شيئاً".
كان أسم العملية (مخصص للأعلام وليس الاسم الحقيقي) في البداية أسم (تلة الذخيرة) ثم غُير إلى (عملية أوبرا)، واتخذت الاحتياطات اللازمة لتنفيذها بنجاح، ومن ذلك ضمان عدم حاجة إلى التزود بالوقود في الجو، لأن الأمريكان رفضوا في حينه منح الإسرائيليين هذه الميزة، ومن الجدير بالذكر أنهم الآن يمتلكون هذه الميزة التي حصلوا عليها عام 1982.
أسس بناء المفاعل تموز
2ــ التخطيط للعملية
تم اختيار أسم (عملية بابل) أسماً رسمياً لعملية الإغارة على مركز التويثة النووي السلمي العراقي وكان اختيار الاسم من قبل خلية (العهد الجديد) أما أسم أوبرا فهو أسم حديث اعلامي لم يظهر في وسائل الأعلام إلا قبل 20 سنة. وكان عدد الطائرات المهاجمة 8 وهو نفس عدد المرات الذي ورد فيه أسم (شنعار) الاسم العبري للعراق القديم في التوراة، مما يعني إعطاء العملية بعد رمزي ديني.
وكانت العملية بأشراف خلية سميت بـ (العهد الجديد) وتضم رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ووزير دفاعه عزرا وايزمان وأعضاء آخرين. وحددت اهداف العملية بإنهاء كامل البرنامج النووي السلمي العراقي من خلال تدمير مركز الأبحاث وتدمير المفاعل تموز1 واليورانيوم الموجود فيه ليتسبب بانفجار نووي ضخم يلوث منطقة التويثة وجنوب بغداد بالإشعاع. سير مخطط الهجوم سيتم بالشكل التالي: الهجوم على 8 منشئات نووية داخل مجمع التويثة من خلال 8 طائرات بموجتين تتألف كل موجة من أربع طائرات، الموجة الأولى تضرب أربعة أهداف والثانية تعيد ضرب اهداف الأولى في حالة فشل الأولى بإصابة أهدافها، أما إذا نجحت الأولى بمهمتها فستضرب الثانية أربعة أهداف أخرى. وكان موعد التنفيذ مقتصراً على مناحيم بيغن (رئيس الوزراء ووزير الدفاع بعد خروج وايزمان من الوزارة) ورفائيل إيتان رئيس الأركان آنذاك وبقية أعضاء مجموعة العهد الجديد ومنهم شارون وشامير.
كان في مركز التويثة وقتها ثلاثة مفاعلات نووية (المفاعل السوفيتي كان متوقف عن العمل) واثنان فرنسيان، وهناك العديد من المنشئات الأخرى وعدد من الخبراء العراقيين وخبير فرنسي واحد يقوم بالمناوبة في غرفة السيطرة لمفاعلي تموز 1 و2 وبقية الخبراء متوزعون على بقية المنشئات.
3ــ التنفيذ:
في يوم الأحد 7 حزيران 1981 وكان قد مضى على بدء الحرب الإيرانية العراقية أكثر من ثمانية أشهر وفي الساعة الرابعة إلا عشر دقائق بتوقيت بغداد من مساء هذا اليوم وصل سماء مدينة الحلة العراقية تشكيل مؤلف من 14 طائرة إسرائيلية، أقلع التشكيل من مطار عتصيون في سيناء لمهاجمة المفاعل إلى جانب العديد من الطائرات شاركت في العملية للدعم والأسناد، بما في ذلك طائرة بوينغ لتسهيل الاتصالات بين القيادة والاستخبارات، وطائرة مروحية للدعم في حال الاشتباك والحاجة لإنقاذ طيارين. وطارت بارتفاع منخفض لتفادي اكشف الرادار، وسلك الممر الحدودي السعودي بجانب الحدود الأردنية ودخل الأجواء العراقية من الصحراء الغربية – مكر النعام – النخيب – وعندما وصل التشكيل على نهر الفرات قال الطيار الأصغر رتبة أيلان رامون " هذا نهر الفرات المقدس" (أيلان رامون أصبح فيما بعد أول رائد فضاء إسرائيلي ضمن طاقم مكوك الفضاء كولومبيا وقتل عند تحطم المكوك فوق ولاية تكساس في 1 شباط 2003 أثناء عودته من رحلة فضائية). كان التشكيل يتكون من: سرب الهجوم المؤلف من 8 طائرات نوع (F-16) للهجوم المباشر على مركز التويثة النووي. و6 طائرات نوع (F-15) لحماية سرب الهجوم بعدها أنفصل السربان فوق مدينة الحلة ليتجه السرب الأول باتجاه الشمال للقيام بالهجوم بينما ينقسم السرب الثاني إلى ثلاثة مجموعات تعمل كحائط صد ومشاغلة للمتصديات العراقية التي قد تأتي من القواعد الجوية في شمال بغداد وشرقها؛ التاجي والحبانية والرشيد بواقع 1 إلى 2 طائرة لكل مجموعة، بينما يستمر سرب (اف 16) بالتقدم نحو الهدف من الجنوب الشرقي. وعندما وصلت الطائرات فوق المركز انقضت في موجتين في كل موجة 4 طائرات، قصفت مفاعل تموز1 بالقنبلة الأولى التي كانت بزنة 900 كلغ نوع (MK-84)، تم تصميم نصف القنابل لتنفجر عند ملامستها لقبة المفاعل ونصفها الآخر لتنفجر عند توغلها في عمق الهيكل، واخترقت 12 من أصل 16 قنبلة، وأصاب 7 من أصل 8 طيارين الهدف. وتوالى القصف ليطال المفاعل تموز2
والمختبرات الفرنسية والإيطالية وأسقاط قنابل على حوض تبريد المفاعل وقصفت الموجة الثانية من القاصفات مفاعل 14 تموز والمعهد النووي ومخزن النفايات المشعة.
تصدت المقاومات الأرضية العراقية لهجوم الموجة الأولى وبمساعدة غيمة الدخان الكثيفة التي تسبب بها القصف وكثافة نيران المقاومات الأرضية أفشلت هجوم الموجة الثانية حيث سقطت معظم قنابله في المناطق الخالية حول المفاعل ثم خرجت الطائرات المهاجمة من الموقع دون إصابات مؤثرة.
التقى السربان حسب الخطة بعد خروجهما من مدى الصواريخ العراقية المضادة للطائرات وتم الإبلاغ عن أصابه طائرة واحد من سرب الهجوم. وهبطا في قاعدة عتصيون الجوية العسكرية في طابا، بعد أن سلكا نفس مسار الذهاب. في إسرائيل كانت خلية العهد الجديد تتوقع حدوث التلوث النووي لبغداد بسبب تكون الغيمة البيضاء حسب وصف الطيارين الذين قاموا بضرب المركز وكانوا على استعداد لتحمل النتائج فقد توقعوا بأن الأمم المتحدة ستقر حصاراً دولياً على الدولة العبرية واجبارهم على دفع تعويضات باهضه، لكن الهدف من وجهة نظرهم يستحق تلك التضحية وكانوا قد أعدوا ترتيباتهم لهذا الظرف قبل بدء تنفيذ العملية. وعندما كانت تل أبيب تنتظر تقييم نتائج الغارة ووصول الخبر المبهج لكن الصدمة كانت كبيرة بما لم تتوقعه، فلا حركة نزوح من بغداد ولا أخبار عن تلوث إشعاعي، فقط صدور بيان شديد اللهجة عن الحكومة العراقية أعلن فيه عن العملية وبدون ان يتطرق إلى أي تسرب لليورانيوم، وعليه فالعملية وأن كانت ناجحة لكنها لم تعط النتائج المرجوة.
4 ـ خسائر العراق جراء الغارة:في صباح اليوم التالي تم تقييم نتائج الغارة على المركز وكانت الخسائر: تشقق في قلب المفاعل النووي تموز 1، تدمير غرفة السيطرة والمختبر النووي، لم يصب مفاعلي تموز2 و14تموز بأي اضرار، تدمير جزئي لمركز التخصيب الإيطالي وكلي للمختبر الفرنسي. وقتل في العملية 11 شخصاً منهم المهندس الفرنسي داميان تشوسييد الموظف في شركة إيرليكيد ووكالة الطاقة الحكومية الفرنسية ويقال أنه كان عميلاً للمخابرات الإسرائيلية وبحسب كتاب ألفه إسرائيلي عن الموساد ذكر فيه ان التقني الفرنسي كان هو من وضع جهاز تحديد الموقع داخل المفاعل، ولم يعرف سبب عدم مغادرته للمفاعل قبل القصف لحد الآن، كانت القيادة الإسرائيلية مستندة على معلوماتها عن المركز ان المفاعل تموز1 قد تم شحنه باليورانيوم لذلك كان الهدف لرئيسي للغارة تدميره ثم تدمير كامل مركز التويثة للأبحاث النووية وبالتالي أنهاء البرنامج النووي العراقي بتدمير المفاعل لينفجر ويدمر كل المنطقة مع تلوثها بالإشعاع النووي وتصبح كل منشئات المركز غير قابلة للاستخدام أو حتى إعادة التعمير. وكأن القدر لم يكن يشاء كما تشاء إسرائيل، فقد تأخر شحن المفاعلين بالوقود القادم من فرنسا خمسة أيام من موعده الروتيني كل شهرين لمصادفة الموعد مع أحد الأعياد في فرنسا الأمر الذي دعا الخبراء الفرنسيين لتأخير عملية الشحن فأُنقذت بغداد من كارثة نووية متعمدة.في اليوم التالي للغارة الإسرائيلية قدم الدكتور رحيم عبد كتل مفوض العراق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) طلب عاجل لاجتماع مجلس محافظي الوكالة وهذا المجلس لديه صلاحية تحويل ملف أي دولة إلى مجلس الأمن وهذا الأخير هو من يفرض العقوبات تبعاً لقرار مجلس المحافظين، الذي أصدر قراراً بإدانة إسرائيل وهجومها بعد خمسة أيام من الهجوم وأعتبر الهجوم انتهاك لاتفاق الضمانات والمساس بالأمن والسلم بالمنطقة وليس بالعالم لعدم حدوث تسرب إشعاعي نتيجة الهجوم. ثم اجتمع مجلس الأمن حسب طلب العراق لمناقشة قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعد مناقشات لمدة أسبوع أصدر المجلس قراره رقم 487 الذي أدان الغارة بقوة وبأجماع الأعضاء وفي الفقرة 6 من القرار أعطى المجلس للعراق حق طلب التعويض من إسرائيل. ودعا إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع برنامجها النووي لضمانات الوكالة الدولية، وكذلك دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل لارتكابها عملاً عدوانياً مع سبق الإصرار. لم تكن الغارة الجوية الإسرائيلية هذه الاستهداف الأول من جانب إسرائيل، فقد قامت تل أبيب بتفجير قلبي المفاعلين النوويين تموز1 و2 قبل شحنهما من فرنسا إلى العراق عام 1979 وسارعت فرنسا إلى إرسال شحنات بديلة لم تكن بالمواصفات المطلوبة. وفي 1980 اغتالت إسرائيل العالم المصري يحيى أمين المشد الذي كان يعمل في البرنامج النووي العراقي في 13 حزيران 1980، حيث بدأ الموساد بتتبع تحركاته في فرنسا إلى أن تمت تصفيته وعثر على جثته في غرفة بفندق الميريديان بباريس بعد أن ضرب بألة حادة على رأسه. وقيدت القضية ضد مجهول وضرب حولها طوقاً من التعتيم الإعلامي وكانت فرنسا قد أصرت على حضوره من أجل عمل يتعلق بالمفاعل تموز. أما المهندس العراقي عبد الرحمن رسول الذي كان يشارك في مؤتمر للوكالة الفرنسية للطاقة الذرية وبعد حضوره حفل كوكتيل أصيب بما بدا كأنه تسمم غذائي توفي بعدها بخمسة أيام في المستشفى في باريس وفشل التشريح في تحديد سبب الوفاة، وترافق ذلك مع طلب إسرائيل من فرنسا وقف مساعداتها النووية للعراق. أثارت العملية ـ التي وصفت بأنها أول هجوم ضد منشأة نووية بالعالم ـ انتقادات دولية حادة صدر بعضها من الحكومة الأمريكية وحتى من المعارضة الإسرائيلية، لكونها كانت ستؤدي إلى كارثة بشرية وبيئية كبيرة لو أن المفاعل كان قد تم تزويده بالوقود النووي.5 ـ وثائق نشرت عن العملية: حسب "أرشيف الأمن القومي" وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن ذكرت: "الأدلة تشير إلى أن الإسرائيليين بالغوا في قدرات المفاعل. لم يكن تصميمه يسمح بتوليد كميات كبيرة من المواد الانشطارية بالدرجة المزعومة". وتشير الوثائق التي نشرتها المنظمة مؤخراً إلى "أن الطموحات النووية العراقية تم احتواؤها سراً من قبل الأوربيين الذين كانوا يبنون المفاعل". وتضيف "أنه تم شراء المفاعل من فرنسا بموجب اتفاقية ثنائية لاستخدامه في الأغراض السلمية، كما أنه خضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقالت فرنسا إن ميزات تصميم المفاعل والإجراءات الاحترازية التي نفذتها ضمنت عدم إمكانية استخدام مفاعل أوزيراك (الاسم الفرنسي لمفاعل تموز والذي يجمع بين أسم العراق وطراز المفاعل أوسايرس) في إنتاج أسلحة نووية. وتضمنت الاحتياطات الأخرى السماح بدخول شحنة واحدة من اليورانيوم إلى المفاعل في كل مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي في أوزيراك في جميع الأوقات، والتأكد من قيام الفنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصب أثناء نقله. ومن الوثائق التي كشفتها المنظمة المذكورة ووصفتها بأنها شديدة الحساسية لأنها تكشف أن العراق ربما قد تعرض لخديعة من قبل الفرنسيين وتتحدث عن "اجتماع في باريس يوم 25 يوليو/ تموز 1980 بين دبلوماسيين أمريكيين ومسؤول فرنسي رفيع المستوى في مجال حظر الانتشار النووي – أصر على السرية المطلقة – حول شحنات اليورانيوم المتجه إلى العراق. وقال المسؤول إن المواد تم تعديلها كيميائياً سراً لجعلها عديمة الفائدة في استخدامها لتطوير أسلحة نووية. وتقول عن الإجراءات “سيتخذونها، لكنهم يجدون أنفسهم في مأزق؛ لأنهم غير قادرين على وصف بعض الاحتياطات التي يتخذونها، بالنظر إلى حقيقة ان العراقيين أنفسهم لم يكونوا على دراية ببعض الإجراءات الوقائية التي يتبعها الفرنسيون."وجاء في الوثيقة أن الخطوة الرئيسة التي اتخذها الفرنسيون كانت القيام مسبقاً بتحييد ونزع خطورة أي يورانيوم مخصب سيُرسل إلى العراق؛ مما يجعله "غير صالح للاستخدام في صناعة سلاح نووي وتضمنت الاحتياطات الأخرى الأقل إثارة للجدل السماح بدخول شحنة يورانيوم واحدة فقط إلى المفاعل في كل مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي داخله في جميع الأوقات، والتأكد من قيام التقنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصب أثناء نقله. 6 – نهاية المشروع النووي العراقي بعد غزو الكويت عام 1990 دشنت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لضرب العراق، واستغلت الفرصة مع ضغط إسرائيلي لضرب المفاعل النووي العراقي بعدة ضربات جوية عام 1991؛ مما أدى إلى تدميره بشكل كبير، ومع نهاية الحرب وخروج العراق منهزماً تحت ضربات القصف الأمريكي وافق على دخول لجنة دولية من الأمم المتحدة للتفتيش، ومعرفة معلومات حول المشروع النووي العراقي، والتي تفاجأت من ضخامة المشروع وانتشاره؛ وأفادت التقديرات بأن ميزانيته كانت تبلغ عدة مليارات ويوظف أكثر من خمسة آلاف عضو في 16 وحدة بحثية وصناعية.