شيرين… دليل إثبات في ملف القضية
منذ 6 ساعات
سامح المحاريق
حجم الخط
0
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%b4%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%af%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a5%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%84%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9%2F&title=%D8%B4%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%86%E2%80%A6 %D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%84 %D8%A5%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA %D9%81%D9%8A %D9%85%D9%84%D9%81 %D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9][/url]
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%b4%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%af%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a5%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%84%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9%2F&title=%D8%B4%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%86%E2%80%A6 %D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%84 %D8%A5%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA %D9%81%D9%8A %D9%85%D9%84%D9%81 %D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9][/url]
يعرف المهتمون بالقضية الفلسطينية مأزق تحديد بداية الرواية التاريخية لمأساة الشعب الفلسطيني المعاصرة، ويفضل الطرف الآخر أن يتحدث عن بداية قديمة تعود إلى آلاف السنين، ويبحث الفلسطينيون عن نقطة واقعية وملموسة تثبت للعالم أنهم كانوا شعباً حقيقياً على أرضه، وعلى الرغم من آلاف الوثائق والصور التي تثبت وجود الشعب الفلسطيني ووعيه بهويته الخاصة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وتأسيس فلسطين الانتدابية، إلا أن ذلك أمر لم يكن مهماً بالنسبة لعملية الاحتفاظ بجيب استعماري على أرض فلسطين بكل قيمتها الاستراتيجية والمعنوية.
خرجت أجيال من الفلسطينيين تحاول البحث وراء الدولة الوطنية، التي اصطنعها الاستعمار، فتحدثت عن فكرة الكنعانية، وهي الفكرة التي توازي الفرعونية والفينيقية والآشورية، وكلها هويات فلكلورية لا تشكل شيئاً بالنسبة للعالم الحديث، فمعظم هذه الروايات إما دخلت للمعرفة الإنسانية بعد فك شيفرة اللغات الهيروغليفية ولغات حضارات بين النهرين، أو أنها خرجت من الرواية التوراتية التي يعتد بها الجانب الآخر في الحديث عن حقه في أرض فلسطين، وفي جميع الحالات لا يمكن للروايات الفلسطينية والعربية أن تتاخم الرواية الإسرائيلية التي توطدت في العقل والمخيلة للأوروبيين، الذين أخذوا يشكلون التأثير الحقيقي.
تقدمت الأجيال الفلسطينية في فكرها لتخرج من التاريخ إلى منازلة حقيقية في الجانب القانوني، وإدانة عملية الاحتلال الإسرائيلي نفسها وعمليات تهجير الفلسطينيين، وهي المشكلة التي بدأت تؤرق الجانب الإسرائيلي لتعمل على شيطنة الفلسطينيين، فبينما يحكي الفلسطينيون عن المجازر التي ارتكبت ضدهم، فإن هذه المجازر تتحول إلى أعمال دفاعية أمام وجود إسرائيلي جرى تسويقه بموازاة الصور الذهنية للمهاجرين اليهود تحت ظلال الهولوكوست، بوصفهم ضحايا دائمين يعانون من الكراهية ومعاداة السامية التي نشأت أصلاً في أوروبا دون غيرها.
من البساطة أن تلقى المسؤولية على الجانب العربي في حادثة ضياع فلسطين، وهذه أسطورة أخرى، فالعرب الذين خرجوا منذ فترة غير بعيدة من السيطرة العثمانية وجدوا أنفسهم أمام جيش من خريجي التفوق التقني الأوروبي، فجميع الجيوش العربية كانت ناشئة وغير مجهزة، تواجه جيشاً إسرائيلياً يدعمه التفوق الإسرائيلي من خلال الدعم العسكري المتواصل من الحلفاء الأوروبيين المتلهفين لطي صفحة المسألة اليهودية. عايشت القضية الفلسطينية العديد من الفصول الصعبة والمضطربة، ولكن الفصل الأكثر واقعية الذي كان يمكن تحسسه وتلمسه أتى متعلقاً بالانتفاضة الفلسطينية الأولى، ووقتها أخذت معاناة الشعب الفلسطيني في الداخل تظهر للعالم، وأتى ظهور الحجر بوصفه أداة المقاومة الوحيدة أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية ليخلخل فكرة العالم عن فلسطين، ولذلك كان مطلوباً إخماد هذه الثورة الشعبية بمختلف الطرق الممكنة، المشروعة وغير المشروعة، فإسرائيل دولة قامت على كثير من الصور التي استطاعت أن تختفي وراءها وأن تمرر نسخة جديدة ومتفردة من الوجود الاستعماري بعد أفول الاستعمار التقليدي.
- اقتباس :
مع جيل من الإعلاميين يمتلك الجرأة للدخول في قلب الحدث، امتلكت الصورة تأثيراً وأصبح لا يمكن لأحد أن يعيد ترتيب الأحداث، وأن يتلاعب في الرواية
بعد الإعلان عن وجود الشعب الفلسطيني وخروج نخبته للضوء مع مفاوضات السلام في مدريد، والحرج الذي أخذت تشكله فكرة السلام مع الفلسطينيين لإسرائيل، التي يشكل السلام خطراً وجودياً تجاه مجتمعها الذي يجب أن يبقى متماسكاً تحت تهديد ما، مثل أي قوة استعمارية، لتجنب الأسئلة المتعلقة برسالته، أخذ جيل جديد من الإعلاميين يظهر ويشكل ضغطاً إضافياً على إسرائيل وأجهزتها، جيل تطورت أدواته واستطاع أن يفضح العنف والعدوانية التي يمارسها الإسرائيليون وينفي عن جنوده الصفة الدفاعية، وفي وسط ذلك ظهرت الشهيدة شيرين أبو عاقلة، فكانت تغطياتها الصحافية لما يحدث على الأرض فعلاً في فلسطين تحقق اختراقاً نوعياً للرواية الإسرائيلية، وتضيف عبء الممارسات العنصرية إلى الممارسات الممنهجة لإذلال الشعب الفلسطيني وكسر إرادته وتحويل الأراضي الفلسطينية إلى مكان طارد وتدشين التهجير الناعم.
القلق الذي مثلته شيرين وزملاؤها، تمثل في قتالهم من المسافة صفر لتفكيك الرواية الإسرائيلية وفضحها أمام العالم، ونقل معاناة الشعب الفلسطيني من خلال الوجود المستمر على مسرح الأحداث، فجميع الروايات السابقة على الرواية البصرية والمزامنة للحدث الواقعي كانت تتوجه لمتلقين عرب أو مناصرين من حيث المبدأ للحق الفلسطيني، أي أنها كانت للاستهلاك المحلي، وما قدمته شيرين والصور والتعليقات التي بقيت تعمل عليها لأكثر من عشرين سنة، كان يتجاوز محدودية اللغة والثقافة لدى المتلقي غير العربي وغير المتحيز وغير صاحب الموقف، وأتى ما قدمته متجاوزاً لفكرة اللغة والمواقف المسبقة.
لم يكن الفلسطينيون شعباً من لحم ودم مثلما قدمته شيرين، لم يمتلكوا صوتاً طازجاً مثلما فعلت شيرين، فسنين طويلة كان تعبيرهم المتاح هو الكلمات الصماء التي مهما امتلكت من بلاغة ومنطق لم تستطع أن تخلق شيئاً من التعاطف الحقيقي، لأنها كانت محملة بخلفيات ثقافية غير مشتركة على المستوى العالمي، وحتى الصور التي كانت تلتقط بقيت غير مكتملة تعنى بلحظة ولا تقدم السياق بأكمله، ومع جيل من الإعلاميين يمتلك الجرأة للدخول في قلب الحدث والوقوف أمام مخاطر الاشتباك المباشر امتلكت الصورة نبضاً وتأثيراً وأصبح لا يمكن لأحد أن يعيد ترتيب الأحداث، وأن يتلاعب في الرواية، ولا أن يخضعها لسلطته، وحتى اللحظة الأخيرة من حياتها كانت شيرين أبو عاقلة في الميدان تترقب توثيق ورقة جديدة في ملف القضية، حتى أصبحت هي نفسها مع لحظة ارتقائها للسماء أحد الأوراق المهمة التي ستربك إسرائيل وستضيف عبئاً جديداً على روايتها الزائفة.
كاتب أردني