العملية العسكرية الروسية الى اين؟ سيناريوهات!
بقلم:،واصف عريقات
صحيح ان هناك علم عسكري متعارف عليه يدرس في الكليات العسكرية عن فنون الحرب واساليب القتال، لكن هذا العلممرن ومتطور واذا ما استعرضنا حروب ما قبل التاريخ وحروب العصور القديمة والوسطى والبارود والعصر الصناعي، وحروب العصر الحديث، لوجدنا التمايز والتطور والتطوير لكل منها، وما يميز الخطط الحربية الحديثة الابتكار ومرونتها وقابليتها للتعديل مع ما يتلائم وظروف الميدان، وهو ما ينطبق على العملية الروسية في اوكرانيا التي لا تشبه سابقاتها من حيث قواعد الاشتباك التي اربكت وما زالت تربك القيادتين الامريكية والاوروبية بدليل انهم يتخبطون في نشر ابعاد واهداف هذه العملية وحدودها، فبعد ان نشروا في البداية عن اهدافها احتلال كييف واسقاط الرئيس الاوكراني وفرض قيادة موالية لموسكو، اليوم يتحدثون عن الحلول الدبلوماسية، على الرغم من ان الجيش الروسي سحب قواته من محيط كييف وابتعد عنها بعد ان عطل مركز السيطرة والقيادة وحال بين القيادة وقواعها وشل قدراتهم على ادارة معركة المواجهة ودمر القدرات العسكرية الاستراتيجية واستنزف معظم قوتها، وابقاهم في حيرة من امرهم، وما زاد في حيرتهم تلك السيناريوهات التي ثبت زيفها والتي كانت تبث على مدار الساعة من البيت الابيض والبنتاغون وحلف الناتو ودول الاتحاد الاوروبي، وما زالوا يجهلون حتى الان ما يدور في ذهن الرئيس الروسي بوتين وهو ما يعتبر نجاحا للعملية العسكرية الروسية من حيث قواعد الاشتباك.
اما قي قواعد القتال فحدث ولا حرج فكل ما نشروه من معلومات وتحليلات واخبار ووصف لمجريات المعارك ومسرح العمليات جاءت معاكسة تماما لما يجري على ارض الواقع، فتارة يتحدثون عن اخفاق في خطة الامداد والتموين والتزويد وتارة يتحدثون عن نقص في القوات وضعف في الاداء ورداءة السلاح الروسي وخسائر بشرية جسيمة، وتعثر وبطء وفشل في تحقيق اهداف العملية، وعن مرض الرئيس الروسي بل وموته والتمرد الداخلي عليه، واشاعوا ان تطويقهم وحصارهم الطويل للمدن ينم عن ضعف مقابل مقاومة اوكرانية ودعموا كل ذلك بصور لطائرات تسقط ودبابات تدمر وجنود يؤسرون وجزائر ترتكب، والاحرى بهم كان السعي للوساطة بين الطرفين ووقف القتال بدلا من التحريض عليه، والنتيجة جاءت ان تكبدت اوكرانيا خسائر جسيمة في الارواح والمعدات وعجزت عن منع الجيش الروسي من السيطرة على اقليم الدونباس الذي يضم جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية، ومع كل ذلك وعلى الرغم من عجزهما في تقديم يد العون والمساعدة الميدانية ما زالت امريكا واوروبا تحرضان اوكرانيا على القتال والصمود في ظل تآكل القدرات القتالية الاوكرانية ونقص حاد في المواد الغذائية والمعدات القتالية وعجز عن تعويض النقص في الذخائر خاصة في المدن المحاصرة مثل ميكولايف وخاركيف، ولا يخفي الرئيس الاوكراني وضباط اركانه خشيتهم من ذلك، وتزداد الخشية حين يطالب حلفاءه بتزويده باسلحة متطورة ومدفعية بعيدة المدى وتتجاوز 100 كم ولا احد يستجيب، ربما ادرك الرئيس الاوكراني في قرارة نفسه انه قد تورط وان تحريضه على القتال والصمود يهدف الى استنزاف روسيا اكثر منه دعما وحرصا على اوكرانيا لذلك لا يتوقع منهم الكثير، وهو ما يدفعه بين الحين والآخر الى التلميح بضرورة اجتماعه مع الرئيس بوتين، فالعملية العسكرية الروسية بعد ان حققت الكثير من اهدافها من سيطرة على الارض وتأمين لحدودها اخذ المحرضين يعترفون بها، ويفصلون مزاياها من ربط جزيرة القرم بريا بالاقليم وسيطرة الروس على الموانئ في ماريوبول وابحار اول سفينه منه اليوم، وكذلك بحر ازوف والبحر الاسود ويحذرون من ان الانظار تتجه الى خاركيف شمال شرق وميكولايف واوديسا والغرب نحو مولدافا وربما ابعد نحو بولندا حيث التحريض المستمر لها بزج قواتها غرب اوكرانيا، وبدلا من استنزاف روسيا استنزفت اوكرانيا واستنزفت معها اوروبا التي تضررت اقتصاديا ونفسيا وخسرت اضافة للنفط والغاز والكهرباء وغلاء الاسعار معداتها العسكرية المهربة لاوكرانيا واصبحت تشكوا من نقص في الاسلحة الدفاعية والهجومية عندها والخشية من توسع الحرب ولذلك بدأوا يحدثون جيوشهم كالمانيا، كما حدث انقسام في مواقف بعض الدول الاوروبية حيث اشتعل السجال على المنافذ الاعلامية والشبكات الاجتماعية حول الاهداف المعلنة لقادة الاتحاد الاوروبي في الحرب وقلقهم من استخدام روسيا وسائل غير تقليدية، واستنزفت امريكا ايضا وبدأت الاصوات المعترضة على الدعم الاوكراني تعلو في الداخل الامريكي، وكلما طال امد المعركة كلما تضاعف الاستنزاف، وهذا نجاح في قواعد القتال الروسية من خلال اطالة امد العملية العسكرية والحصار الطويل للمدن واستنزاف تموينهم وذخائرهم ومعنوياتهم وهزيمتهم نفسيا كما جرى عند استسلام الالاف من مقاتلي النخبة (النازيين من كتيبة آزوف) في مصانع ازوفستال في ماريوبول حيث اثر ذلك على الجيش الاوكراني معنويا، واليوم اعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن سيطرة الجيش الروسي على معظم مدينة سيفرودونيتسك الاوكرانية.
ومن نافل القول ان الضرر الذي لحق باوكرانيا تعود اسبابه للتحريض الامريكي والاوروبي وتقديم الوعود التي لم تنفذ وما زال هذا الضرر مستمر من خلال الدعم المنقوص من وجهة نظر الرئيس الاوكراني والتشجيع على القتال وهم يدركون جيدا ان كل ذلك لن يقف في طريق تحقيق العملية العسكرية لاهدافها مهما حاولوا الانتقاص من قدرات الجيش الروسي وسلاحه، الرئيس الاوكراني نفسه اعترف بان الجيش الروسي لدية ميزة بالعدد والعتاد، تصريحات الرئيس الامريكي الذي بدأ بالتراجع والتسليم بالامر الواقع بان (الغزو) الروسي سينتهي بالدبلوماسية، هي بمثابة خارطة طريق للرئيس الاوكراني وعليه ان يلتقط الفرصة ويستجيب لمساعي الوسطاء والاجتماع بالرئيس بوتين ووضع شروطه ومطالبه على الطاولة، وهي الفرصة ربما الوحيدة لوقف القتال وانقاذ ما يمكن انقاذه وتحقن الدماء للاطراف كافة، وتتاح فرصة اكبر لدول اوروبا بعدم تعميق العداء مع روسيا والخلاص من التبعية لامريكا، وهذا هو السيناريو الاول.
السيناريو الثاني وتبعا لتصريح الرئيس بايدن الذي يناقض تصريحه السابق، بان امريكا ستزود اوكرانيا بانظمة صاروخية اكثر تطورا وبحسب مسؤول امريكي كبير بالبيت الابيض قال انها راجمات صواريخ من طراز "هيمارس" ، وبعض الدول الاوروبية اعلنت انها ستستمر في التزويد (وهو ما اغضب الرئيس بوتين ووجه تحذيرا لمصادر القرار)، كل ذلك يشجع الرئيس الاوكراني على رفض المفاوضات والاستمرار بالقتال وهنا تكون فرصة الجيش الروسي لاستثمار الفوز والتمدد نحو اوديسا واقليم ترانسنيستريا في مولدافا غربا لوقف تدفق الدعم الامريكي والاوروبي عليها، وكذلك خاركيف شمال شرق، لذلك ادخل الجيش الروسي الى ميدان القتال معدات روسية حديثة خاصة المدفعية والصواريخ كما ضاعف من القصف الكثيف والمركز.
السيناريو الثالث والاخطر هو ما صرح به وزير خارجية روسيا لافروف من مخاطر تورط دول ثالثة في الصراع داخل اوكرانيا، وهناك اسباب كثيرة لذلك واضافة للحصار الاقتصادي المفروض على روسيا والحرب التجارية والاعلامية ضدها وتزويد اوكرانيا بالسلاح، هناك تحريض بولندا وتشجيعها على دخول قواتها لغرب اوكرانيا عندها تتدحرج الامور وتتوسع رقعة الحرب وتمتد لاراضي اوروبية اخرى وتخرج الامور عن السيطرة، لا سيما وان هناك مناورات نووية روسية في اقليم "ايفانوفو" شمال شرق موسكو وتدريب الف جندي على الصواريخ العابرة للقارات من طراز "يارس"، تتزامن مع فشل الاتفاق النووي الايراني الامريكي، وتوتر في العلاقات الامريكية الصينية واتهامات متبادلة بينهما حول موضوع تايوان، ربما تتطور الى صدام عسكري واسع وعلى اكثر من جبهة وتنشأ التحالفات العسكرية في الميدان والتي ستشمل الجميع، عندها تتحول العملية العسكرية الروسية الى حرب عالمية وهكذا جاءت الحرب العالمية الاولى والثانية.