حرب اسرائيل القادمة "كاملة الأوصاف" بقلم : واصف عريقات
----------------------------------
حرب اسرائيل القادمة "كاملة الأوصاف"
بقلم : واصف عريقات
خبير ومحلل عسكري
بازار التهديدات الاسرائيلية بالحرب تتناقض كليا مع تصريحات بعض ساسة اسرائيل حول السلام وامكانية ولوجهم في العملية التفاوضية سواء على الصعيد الفلسطيني أو السوري أواللبناني، فلا يمكن الحديث عن السلام والحرب في آن معا (ليبرمان الذي أخذ دور وزير الحرب وهدد سوريا وقيادتها وتوعد خسارتها للحكم والحرب معا واشكنازي وباراك يصفان الهدوء بالهش ويهددان بالحرب ثم يتراجع باراك ويفسر موقفه ونتنياهو يطمئن)، لكن مع اسرائيل كل شيء يجوز، لا غرابة في ذلك فقادة اسرائيل يعيشون هذا التناقض الواضح نظرا للمتغيرات التي حصلت معهم على الأصعدة كافة، في مقدمة هذه المتغيرات بعد تراجع أدائهم العسكري والإخفاقات التي سجلت عليهم، ظهورهم على حقيقتهم أمام العالم وأنهم عقبة كأداء في طريق السلام وهم من يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم، وتبين لهم ان اسرائيل ليست المجتمع الحضاري والديموقراطي في الوسط العربي المتخلف، ولم يقتصر موقف المجتمع الدولي على تغير نظرته لاسرائيل، بل تجاوز ذلك وأخذ قسم كبير من هذا المجتمع يطالب بمعاقبتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها في حروبها الأخيرة، ويدعوها لتغيير مواقفها، يأتي ذلك في ظل موقف أمريكي ضعيف
يقف في منتصف الطريق، فالرئيس الامريكي باراك اوباما الذي منح جائزة نوبل للسلام لكثرة حديثه عن السلام، أظهر عجزا حقيقيا في قدرته على الفعل باتجاه السلام، وادارته تتجنب تحديد موقفها من تهديدات اسرائيل بالحرب، بل وأخذ اوباما يتحدث من جديد عن محور الشر وعن العصا والجزرة، هذا الموقف وإن كان في ظاهره يريح قادة اسرائيل ففي وجهه الآخر يقلقهم لأنهم يدركون جيدا حقيقة الموقف الأمريكي الراهن الذي يريد مواجهة التهديد النووي الايراني بالحوار والاحتواء أومن خلال فرض العقوبات، لتجنيب جنوده الخطر في العراق وأفغانستان، ولتجنب توتير الأجواء مع كل من روسيا والصين اللتان لا توافقان حتى على تشديد العقوبات على ايران، في حين تدفع قيادة اسرائيل للقضاء على هذا التهديد بالعمل العسكري، وادراكا منها ان هذا العام عام حاسم بالنسبة لانتاج ايران القنبلة النووية وعدم اطمئنانها للوعود والعهود الايرانية، اضافة لما تدعيه من سباق وتطور في التزود بالسلاح في الجبهات المواجهة، مما يضعها في مأزق وهي في عجلة من أمرها، لذلك فهي في حيرة من أمرها، ان تصرفت بمفردها فهي ستفقد الدعم الأمريكي والاسناد الاوروبي وهذا بحد ذاته مغامرة كبيرة لم تعتاد عليها اسرائيل في كل حروبها السابقة، وان لم تذهب للعمل العسكري فهذا يعني رضوخها للأمر الواقع وتقبلها لايران نووية وغضها النظر عن سباق التسلح في المنطقة وهذا ما تعتبره تهديدا وجوديا لها من الصعب المساومة عليه، لذلك ورغم كل التطمينات الأمريكية ونشر الدرع الصاروخية في المنطقة تركز قيادات اسرائيل على التهويل وتوظيف الأخبار بانها معرضة للأخطار ومهددة من اكثر من جبهة ومحور لاستدرار العطف العالمي وتحفيز الجبهة الداخلية، وفي سياق متصل لكنه على درجة كبيرة من الخطورة والدهاء ويحتمل الوجهين ويجب عدم تداوله لما له من أهداف مشبوهة ويضر بمصالح الشعب الفلسطيني في الداخل ويستهدف وجودهم ويعرضهم لمزيد من الأذى والمضايقات بدليل انه صادر عن موقع ديبكا الاستخباري الاسرائيلي خبر مفاده وجود تقارير تتحدث عن تدريب قوات من حزب الله على احتلال جزء من شمال فلسطين المحتلة يساندها في تنفيذ ذلك شعبنا من كلا الجانبين، هذا رغم تأكيدات حزب الله انه في حالة دفاع عن النفس، وأنه سيقاتل في حال تعرضه لهجوم من قبل اسرائيل، وليس العكس.
وما كثرة الاعلان عن التدريبات والمناورات واطلاق التهديدات بالحرب ومن نعتها باوصاف لها أول وليس لها آخر الا وتأتي في ذات السياق.
هذه الحرب التي تريدها اسرائيل بدون خسائر( كما وصفها ضابط اسرائيلي) ولا تعرف في مواجهة من ستخوضها، هل في مواجهة جيش كلاسيكي يتطور الموقف الى حرب غير نظامية وحرب تحرير شعبية.؟؟ أم في مواجهة مجموعات فدائية تتطور الى حرب مع جيوش نظامية، وهل تستخدم قواتها البرية ام تقتصر حربها على استخدام السلاح
وآلات الدمارعن بعد.؟؟ ومن أي جغرافيا يمكنها ذلك.؟ لكن اسرائيل قيدت نفسها ووضعت مواصفات لهذه الحرب واعلنتها مثل : "سريعة، مباغتة، تعمل على شل قدرات للمضادات والدفاعات الجوية، تشارك فيها أذرع الجيش وتشكيلاته كافة من أسلحة البر والبحر والجو، ويتم خلالها انزالات جوية للمشاة المنقوله جوا والمظليين، وتحسمها المدفعية، والأهم من كل ذلك بدون خسائر، (طبعا في صفوف الجيش الاسرائيلي)، واستخدام قوانين الحرب الأخلاقية بالمعايير الاسرائيلية (الوسيلة والنية) وبحسب اعترافات ضباطهم الأخيرة وفي مقدمتها الحفاظ على طهارة السلاح وعلى حياة الجندي الاسرائيلي بقتل كل ما يتحرك امام هذا الجندي حتى لو كان طفل رضيع والتأكد من وفاته بعد قتله".
هذه المواصفات للحرب (كاملة الأوصاف) التي يكثر الحديث عنها تشبه (السهل الممتنع) وتؤكد على ان قيادة اسرائيل مربكة وفي حالة ضياع، فهي لا تعرف ماذا تريد لكنها تعرف أنها مكبلة وغير قادرة على اتخاذ القرار كما كانت تفعل في الماضي، وهامش مناوراتها يتقلص شيئا فشيئا، وفي نفس الوقت تريد من الآخرين التعامل معها بواقعها القديم وكأن شيئا لم يتغير، في نفس الوقت الذي يتحدث فيه العديد من قيادات اسرائيل بأن ظروف حرب عام 1967 والانتصار الذي تحقق لم تعد قائمة، بل ومشكوك في أن تعود.
ولأنها مربكة وفي حالة ضياع يجب توقع الغير متوقع من قيادة اسرائيل وأخذ تهديداتهم على محمل الجد واتباع الحيطة والحذر والاستعداد لمواجهة الغدر ، لكن لا يجب ان يتحول هاجس الحرب الى خوف وذعر وهو ما تسعى له اسرائيل كجزء من حرب نفسية ودعائية تؤثر فيها على المعنويات بهدف الوصول لمزيد من التنازلات وكسب الكثير من النقاط.