بسبب خلاف .. غادر "بطل الوحدة الألمانية" الحياة السياسية
رسم تخيلي يجسد سياسة فيلهلم الثاني ورحيل بسمارك
أثناء توليه لمنصب مستشار بروسيا قاد بسمارك حروبا ناجحة ضد النمسا وفرنسا ساهمت في بلوغ الوحدة الألمانية سنة 1871 وغادر الحياة السياسية سنة 1890 بشكل مذل.
العربية.نت – طه عبد الناصر رمضان :عام 1888، فارق القيصر الألماني فيلهلم الأول (Wilhelm I) الحياة عن عمر ناهز 90 عاما تاركا الحكم لابنه فريدريك الثالث (Frederick III) الذي عانى من سرطان الحنجرة. وبعد مضي 99 يوما فقط عن استلامه الحكم، توفي فريدريك الثالث بعد صراع مع المرض ليخلفه على عرش الإمبراطورية الألمانية ابنه فيلهلم الثاني (Wilhelm II).
ومنذ توليه للحكم، اعتمد فيلهلم الثاني سياسة مختلفة عن المستشار الألماني أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck) الذي اعتبره كثيرون كبطل الوحدة الألمانية ووصفه قادة الدول الأوروبية ببطل دبلوماسية السلام بفضل دوره في حل العديد من الخلافات على الساحة الأوروبية.
قوانين ضد الاشتراكيين
بداية من العام 1888، شهدت العلاقة بين الإمبراطور فيلهلم الثاني وبسمارك فتورا واضحا بسبب الخلاف حول مسألة القوانين المناهضة للاشتراكية التي أيّدها الأخير، بدعم من المحافظين والليبراليين بالرايخستاغ (Reichstag)، أملا في إنقاذ ألمانيا من التحركات العمالية والاضطرابات.
وقد أثار بسمارك قلق العديد من السياسيين بالبلاد تزامنا مع سعيه لتوسيع وزيادة دور الأمن بألمانيا ضد الاشتراكيين حيث اتجه المستشار الحديدي لإرساء قوانين إضافية تسمح باعتقال ونفي من وصفهم بمثيري الشغب خارج مناطق إقامتهم.
وفي خضم هذا النزاع بالرايخستاغ، اتجه الإمبراطور فيلهلم الثاني، عقب إضراب عمال المناجم عام 1889، لمساندة المطالب الاجتماعية للمواطنين الألمان وتحدث عن ضرورة ضمان حقوق عمال المناجم وتحسين وضعيتهم متحديا بذلك السياسة الداخلية لبسمارك. وبالمجالس الوزارية، لم يتردد فيلهلم الثاني في أكثر من مناسبة في مقاطعة المستشار بسمارك لتوضيح وجهة نظره التي اختلفت بشكل قطعي مع تطلعات الأخير.
وعلى الرغم من مساندة فيلهلم الثاني لقانون محور ضد الاشتراكيين، تعنت بسمارك واستخدم حق النقض مطالبا باعتماد القانون المناهض للاشتراكية الذي وضعه في وقت سابق. وأمام هذا الوضع، رفض فيلهلم الثاني مقترحات بسمارك مؤكدا على عدم استعداده لبدء فترة حكمه بحملة دموية قد تفرق بين الألمان.
خلاف سياسي واستقالة
أملا في تمرير قانونه، اتجه بسمارك للبحث عن تحالفات سياسية جديدة في صلب الرايخستاغ. ومع سماعه لهذا الخبر، غضب الإمبراطور فيلهلم الثاني مؤكدا على رفضه لفكرة تمرير قوانين بالبلاد دون استشارته. وخلال اجتماع بمكتب بسمارك، تزايدت حدة الخلاف بين المستشار والإمبراطور عقب قيام بسمارك بإطلاع بمحتوى رسالة من القيصر الروسي ألكسندر الثالث التي وصف بها إمبراطور ألمانيا بالطفل الوقح عديم الأخلاق. وعقب مغادرته لمكتب بسمارك غاضبا، أمر فيلهلم الثاني بإلغاء قوانين عام 1851 مطالبا الوزراء بتقديم تقاريرهم مباشرة للإمبراطور دون المرور بالمستشار.
ومع وقوعه بهذه الأزمة السياسية الجديدة، كتب بسمارك رسالة استقالته، التي وصف بها فيلهلم الثاني بالرجل غير القادر على فهم السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا، مؤكدا مغادرته الحياة السياسية بشكل نهائي ومحذرا من إمكانية انزلاق ألمانيا نحو حروب بسبب سياسة فيلهلم الثاني. وبضغط من الإمبراطور، استقال بسمارك من منصبه يوم 18 آذار/مارس 1890، عن عمر ناهز 75 عاما، ليخلفه ليو فون كابريفي (Leo von Caprivi) على رأس الحكومة.
مع مغادرته الحياة السياسية بهذا الشكل بعد أكثر من 20 عاما قضاها كمستشار لبروسيا وألمانيا الموحدة، تنقل بسمارك، المصنف كبطل الوحدة الألمانية، بين فريدريشسروه (Friedrichsruh) وفارزين (Varzin). وطيلة تلك الفترة، آمن بسمارك بإمكانية استدعائه مجددا لاستعادة منصبه كمستشار.
مع وفاة زوجته أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 1894، تدهورت الحالة الصحية لبسمارك الذي أصبح مقعدا وفارق الحياة سنة 1898 عن عمر ناهز 83 عاما.