إقليم كردستان، "الحيطة المايلة"
محمد واني
إقليم كردستان، "الحيطة المايلة"
يروى أن عنترة بن شداد الشاعر الفارس العبسي المغوار سئل ذات مرة عن سبب شجاعته الفائقة التي أصبحت مضرب الأمثال، فقال “شجاعتي أنني أضرب الضعيف ضربة يطير لها قلب القوي الشجاع”.
هذا بالضبط ما تحاول إيران ومن ورائها تركيا فعله في إقليم كردستان الضعيف الذي لا حول له ولا قوة في منطقة جيوسياسية غاية في التعقيد، يحيط به الأعداء من كل جانب، مكبل بقوانين دولية لا فكاك منها، ومحشور بين دولتين عنصريتين طائفيتين مؤدلجتين، فرضتهما عليه القوى الغربية بالقوة. كل دولة تحاول استغلال عوامل الضعف في الإقليم لصالحها؛ مثل موقعه الجغرافي الصعب، وهشاشة وضعه السياسي الداخلي، والخلافات المزمنة بين أربيل وبغداد، وكل يستثمر النزاعات الإقليمية وانشغال المجتمع الدولي بالأحداث الساخنة، كالحرب الأوكرانية – الروسية، والمواجهة العسكرية مع قوى المعارضة الداخلية، واندلاع الاحتجاجات الشعبية بالنسبة إلى إيران على خلفية قتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية، والتذرع بوجود قواعد استخباراتية إسرائيلية “وهمية” ومقرات لأحزاب إيرانية كردية داخل الإقليم، رغم وجودها في الإقليم منذ عشرات السنين وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب العمال التركي.. فلماذا الآن؟
لا شك أن وراء هذا التصعيد الخطير أسبابا إضافية مهمة، مثل المخاوف من تصدير الغاز إلى أوروبا التي تعاني من نقص شديد في الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية وقيام موسكو بقطع الغاز عن 13 دولة أوروبية ردا على عقوبات مفروضة عليها من جانب الدول الأوروبية التي تواجه شتاء صعبا وخطيرا في ظل غياب الغاز الروسي.
وطبعا ليس من مصلحة روسيا أن تحصل أوروبا على إمدادات الغاز من الإقليم أو من أي بلد آخر. ولن نستبعد فرضية أن موسكو هي التي تمارس الضغط على حليفتها طهران لعرقلة أو منع عملية إيصال الغاز الكردي إلى أوروبا من خلال استهداف الإقليم.
العجيب أن الإطار التنسيقي الذي يشكل الحكومة في بغداد بدعم مباشر من الإقليم يبرئ ساحة إيران ويحمل أربيل تبعات ما تتعرض له من عدوان
هناك أسباب جاهزة دائما لضرب الإقليم الكردي من قبل الدولتين (إيران وتركيا) دون مراعاة للقرارات الأممية الخاصة بالعلاقات الدولية وتوصياتها الصارمة بضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية لتجنيب الشعوب الآمنة ويلات الحروب، فالساحة مفتوحة على مصراعيها لهذين الدولتين بوجهيهما السني والشيعي لتحولا الإقليم إلى أرض معركة لأطماعهما ومصالحهما الإقليمية والدولية، لا توجد قوة تردعهما، لا من الجانب الدولي الغربي ولا من الجانب الأممي ومنظماته الحقوقية. وقديما قيل إذا أمن المجرم العقاب ولم يردعه أحد يوغل في جريمته أكثر.
تصور أن إيران قصفت الإقليم الصغير بأكثر من 85 صاروخا وعشرات من الطائرات المسيرة خلال شهر واحد (سبتمبر) من هذا العام، على مرأى ومسمع من العالم بحجة وجود قواعد إسرائيلية وهمية داخله، وهو ما أدى إلى قتل وجرح المئات.
ورغم دحض هذه الأكذوبة من قبل لجنة برلمانية شكلت من أجل تقصي الحقائق في أبريل 2022، أثبتت عدم وجود أدلة على نشاط تجسسي إسرائيلي في موقع استهدفته إيران في أربيل، واصلت طهران خروقاتها للسيادة العراقية.
والعجيب أن الإطار التنسيقي الذي يشكل الحكومة في بغداد بدعم مباشر من الإقليم يبرئ ساحة إيران ويحمل أربيل تبعات ما تتعرض له من عدوان.
يقول أحد نواب كتلة “الصادقون” البرلمانية التابعة لميليشيا عصائب أهل الحق إن “حكومة أربيل تتحمل الجزء الأكبر من استهداف أي موقع داخل العراق بسبب وجود تهديد حقيقي ضد دول الجوار من الإقليم وإيواء عناصر من الموساد الصهيوني”.
يبدو أن الإقليم تحول إلى هدف إستراتيجي سياسي وعسكري لإيران، كلما واجهت أخطارا داخلية أو خارجية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بادرت لاستهداف الإقليم بدلا من أن تواجه تلك الأخطار وتبحث عن أسبابها.
ومهما حاولت سلطات الإقليم درء التهم عن نفسها وأبدت استعدادها للتعاون مع بغداد، كما في المبادرة التي طرحها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني خلال زياراته الأخيرة إلى العاصمة، فإن إيران لن تتوقف عن ضرب إقليم كردستان الذي تحول إلى “حيطة مايلة” أو شماعة تعلق عليها إخفاقاتها السياسية وأزماتها الداخلية.