المتحف العراقي يستقبل الزوار مجانا أيام العطلة الأسبوعية
a
العرب/بغداد - تدفّق عشرات من الزوار الجمعة إلى المتحف العراقي في بغداد، الذي فتح أبوابه في عطلة نهاية الأسبوع، ليشاهدوا الثيران المجنّحة المهيبة والمنحوتات الآشورية التي تعود إلى أكثر من 2700 عام.
وفي بلد عاد ليعرف بعض الاستقرار في السنوات الأخيرة بعد عقود من الحروب والنزاعات، شهد متحف بغداد الذي تأسس في العام 1926 ليروي قصة 7 آلاف عام من تاريخ بلاد ما بين النهرين، مراحل من الإغلاق على خلفية التقلبات السياسية في البلاد.
وبعد ثلاث سنوات من الإغلاق على خلفية تظاهرات العام 2019 ثمّ جائحة كورونا، أعاد المتحف فتح أبوابه أخيراً في مارس 2022، لكن فقط خلال أيام الأسبوع، من الأحد إلى الخميس ومن الساعة التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً وبشكل مجاني. وقال رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث ليث مجيد من المتحف "اعتبارا من الجمعة، سيفتح المتحف نهاية الأسبوع للعائلات العراقية وضيوف العراق أيضا وسيكون مجانا (..) من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء".
وللمرة الأولى، تدفق عشرات من الزائرين صباح الجمعة إلى المتحف، من عائلات مع أطفالها حتى الرضّع منهم، وأصدقاء، ليتنزهوا في قاعات المتحف. والتقط البعض صورا تحت تمثال الثور المجنح، وهو كائن أسطوري، نصف رجل ونصف ثور ذي أجنحة، اكتُشف في موقع أثري لمدينة آشورية ويعود للقرن الثامن قبل الميلاد.
ويضمّ المتحف كذلك تماثيل مصغرة من العاج، تُستخدم لتزيين قصور وأثاث الملوك، تعود إلى المرحلة الآشورية الجديدة (911 – 612 قبل الميلاد) عُثر عليها في موقع نمرود في شمال العراق. وزار أحمد مظهر البالغ 35 عاماً المتحف للمرة الأولى مع زوجته فرح. وقال "إنها المرة الأولى التي آتي فيها إلى هنا (..) يتخيل الإنسان وكأنه يرجع بالتاريخ، حينما يرى هكذا تصميم وهكذا حضارة (..) إحساس لا يوصف".
وأبدى سعادته برؤية العائلات مع الأطفال، قائلا "من المهم جداً تربية الطفل أو تعليمه على هذا التاريخ لكي يتم توارث هذه الحضارة من جيل إلى جيل". والعراق هو مهد الحضارات السومرية والبابلية والأكادية والآشورية التي منها انبثقت الكتابة والمدن الأولى.
وعانى العراق من نهب آثاره وتهريبها بعد الغزو الأميركي في العام 2003، ثم سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة من البلاد. ولم يكن المتحف العراقي بمنأى عن عمليات النهب في العام 2003 وسط الفوضى التي أحدثها الغزو الأميركي. ومن بين 15 ألف قطعة أثرية نُهبت حينذاك، لم تتمكن السلطات من استعادة سوى ثلثها.
وعلى الرغم من أن بنية المتحف التحتية لا تزال متهالكة، إلا أن العراق بدأ يفتح تدريجيا أبوابه أمام السياحة العالمية، واستأنفت بعثات تنقيب من الولايات المتحدة وأوروبا عملها بالاشتراك مع الخبرات العراقية، حيث يُعلن باستمرار عن اكتشافات أثرية جديدة. وتمكن فريق من علماء الآثار من المتحف البريطاني مؤخرا من اكتشاف قصر ملكي ومعبد سومري في محافظة ذي قار جنوبي العراق، لا يقلّ عمرهما عن 4500 سنة.
وقال المتحف البريطاني في بيان له إنّ "عمر الآثار المكتشفة لا يقلّ عن 4500 عام". ويشير البيان إلى أنّ علماء الآثار حققوا هذه الاكتشافات نهاية العام الماضي في مدينة "غيرسو" السومرية القديمة، وهي تأتي ضمن مشروع بحثي يُنفَّذ بالشراكة بين المتحف البريطاني ومتحف “غيتي” الأميركي والسلطات العراقية المعنية.
وقال مدير المتحف البريطاني هارتويغ فيشر "على الرغم من أنّ معارفنا عن السومريين محدودة، إلا أنّ عملنا في مدينة غيرسو، واكتشاف القصر المفقود والمعبد، يبشران بتوسيع معارفنا بشكل هائل عن هذه الحضارة المهمة، وإلقاء الضوء على الماضي وإثراء المستقبل".
ويعتبر علماء الآثار معبد "إينينو – إينورتا" (راعي مدينة غيرسو) أحد أهم المعابد الدينية التاريخية في بلاد ما بين النهرين الذي كان يحجّ إليه الكثيرون آنذاك. ومع أنّ مدينة “غيرسو” واحدة من أهم مواقع التراث العالمي، إلا أنّها لم تُدرس جيداً، حسبما يقول العلماء، وذلك نتيجة توقف عمليات الحفر والتنقيب بسبب النزاعات التي شهدها العراق خلال العقود الماضية، ما سمح للصوص بنهب وسرقة العديد من آثارها.
وتمكن علماء أثار أميركيون خلال الأيام القليلة الماضية من اكتشاف حانة سومرية تعود إلى نحو 5 آلاف عام، وتحتوي على نظام تبريد مثل الثلاجة، ومقاعد وأوعية فيها بقايا طعام، وذلك في موقع "لغش" المرتبط بشكل وثيق بالمدن المجاورة مثل "غيرسو" و"نيغين".