من الطلب على النفط ...الوجه الآخرلأمن الإمدادات
بقلم: لهب عطا عبدالوهاب
اقتصادي عراقي متخصص في شئون الطاقة
أمن الطلب على النفط ...الوجه الآخرلأمن الإمدادات
لطالما أحتل موضوع أمن الإمدادات صلب إهتمام العديد من الدول ، لاسيما الدول الأعضاء في منظمة التعاون الأقتصادي والتنمية OECD والتي تعتمد بشكل كبير على وارداتها الأجنبية من النفط الخام لتلبية متطلباتها من الإستهلاك المحلي . بيد أن هناك وجه آخر للعملة قدر تعلق الأمر بموضوع الطاقة الشائك والمتعدد الأبعاد يكمن في ما يعرف بأمن الطلب على النفط أو بعبارة أخرى الطاقة من منظور الدول المصدرة للنفط.
إن تدفق آمن للإمدادات يعد على رأس أوليات الأمن الوطني ، ومع أستنزاف الموارد المحلية للطاقة في العديد من الدول الصناعية أصبح لزاما عليها الاعتماد على الخارج ما يجعلها عرضة لدرجات متفاوته من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية . وقد لعب أمن الإمدادات دورا لا يستهان به في الصراعات الدولية عبر عقود عديدة خلت ، إذ يحدثنا السجل التاريخي أن الحربين الكونيتين في القرن الماضي كان أحد محركاتها الرئيسية هو ضمان انسياب النفط لصالح فريق على حساب فريق آخر من الفرقاء المتخاصمين . كما أحتل موضوع أمن الإمدادات أولوية الإهتمام في السياسة الدولية بعد الحظر النفطي العربي إبان حرب أكتوبر 1973 . إن كل ذلك جعل أمن الطاقة « يؤطر » بدلالة قلق المستهلك من توفر الإمدادات الآمنه . إن هذه النظرة الأحادية لا يجانبها الصواب إذ هي تتغاضى عن حقيقة مفادها إن الطاقة هي سلعه يتم تبادلها في التجارة الدولية إستيرادا وتصديرا. وعليه فإن أمن الطلب على الطاقة من وجهة نظر الدول المصدرة لا تقل أهمية عن أمن الإمدادات من وجهة نظر الدول المستوردة.
الحوافز لضمان طلب آمن دول الخليج كمثال:
پستأثر قطاع الهايدروكربونات ( النفط والغاز ) بما يربوا على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي ، مع تفاوت ملحوظ إذ يبلغ أعلاه في المملكة العربية السعودية ( 85% ) في حين يصل أدناه في دولة الإمارات العربية المتحدة (35% ) .
إن هذا الإعتماد المفرط على النفط والغاز جعل هذه الدول عرضة للتقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط في السوق العالمية . وقد أفادة دراسة حديثة صادرة عن معهد الشرق الأوسط Middle East Institute والذي يتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرا له ، عن قضايا وحقائق تتعلق بأهمية أمن الطلب في دول مجلس التعاون الخليجي لعل من أبرزها ما يلي:
(1)إعتماد الموازنة العامة لدول المجلس على العائدات النفطية بشكل كبير ومفرط ، ما يجعل من التخطيط الطويل الأجل من الصعوبة بمكان ، إذ لطالما تفاوت سعر البرميل المحتسب عن سعره الحقيقي عند وضع الموازنة موضع التنفيذ الفعلي . وللتقليل من الآثار الضاره لهذه الظاهرة ، تعمل دول الخليج جاهدت للعمل على تنويع قاعدتها الإقتصادية بعيدا عن الإعتماد فقط على قطاع الطاقة ، إلا أن بلوع ذلك يحتاج إلى وقت ، حتى تؤتي سياسات التنويع الإقتصادي أكلها على المدى
المتوسط والطويل ، وهو ما يجعل من عائدات النفط والطلب الأمن على نفوطها صمام امان لهذه الدول.
(2)التركيبة الديموغرافية : إن النمو السكاني المطرد الذي تشهده الدول الخليجية يعزز من أهمية أمن الطلب فيها . ويلاحظ إن التركيبة الديموغرافية للسكان في أغلب دول المجلس تميل نحو الفئة العمرية الشابة. وإن هذه التركيبة السكانية تحتم على هذه الدول المضي قدما في إتخاذ ما يلزم من إجراءات لخلق الوظائف ، بالرغم من أن معدلات البطالة فيها تعد مقبولة لحد ما مقارنة بدول الجوار ، إلا أن فرص العمل لتلبية الأفواج المتزايدة من من يسعون للدخول السوق العمل لاتزال محدودة .
بيد أن التحدي الأهم الذي يواجه أمن الطلب على النفط والغاز في دول المجلس يتجلى في التطور الحاصل في الطاقات البديلة الصديقة للبيئة أو ما يصطلح عليه بالطاقة المتجددة Renewable Energy ويأتي على رأسها كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية . إلى ذلك فإن الإبقاء على الطابع « الريعي » Rentier Economies لدول المجلس وديمومته قد وصل مدياته الأخيرة بنظر العديد من المراقبين ، ولا سبيل لدول المجلس من أرساء دعائم إستراتيجية جديدة لنمو مستقبلي لمواجهة التغيرات التي تشهدها أسواق الطاقة في عالم اليوم .
أعادت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالعديد من الدول العربية النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، أعادت إلى الواجهة من جديد موضوع سلامة إمدادات النفط ومدى إمكانية الوثوق بها ، ولا غرو في ذلك إذا علمنا إن أكثر من 57% من الاحتياطيات النفطية المؤكدة وأكثر من ثلث الإنتاج العالمي يتمركز في هذه المنطقة . وعملت القلاقل في العديد من دول المنطقة والخوف من عدوی انتقالها إلى دول منتجة أخرى ، فاقم منها تهديد إيران بغلق مضيق هرمز ، إلى بروز حالة من عدم اليقين لدى المتعاملين في الأسواق النفطية. إن الخشية من نقص الإمدادات لمقابلة النمو في الطلب العالمي يعزز منه أنصار ما يعرف في أدبيات الطاقة بنظرية ذروة النفط » ومفاده أن الإنتاج العالمي أخذ في التراجع بعد استنزاف العديد من الحقول النفطية العملاقة التي تم اكتشافها قبل عقود عديدة خلت ، دون أن تلوح في الأفق اکتشافات جديدة محتملة ، ما يجعل النفط آيلا " للنضوب خلال السنوات القليلة القادمة. في المقابل ، يرى العديد من المراقبين أن النفط وإن كان سلعة ناضبة إلا أن العمر الافتراضي له أي نسبة الإنتاج إلى الاحتياطي المكتشف وفقا لآخر البيانات المتاحة تنبئ بأن النفط سيبقى ملازما لتلبية احتياجيات العالم الصناعية ل 50 سنة قادمة على أقل تقدير.
وإن هذه المعطيات تعزز من الأهمية الإستراتيجية لدول المنطقة ، لاسيما دول الخليج العربي التي ستبقى لاعبا محوريا في تلبية احتياجيات العالم من الطاقة بأشكاله المتعددة ، بما في ذلك الغاز الطبيعي الذي أصبح الوقود المفضل للمستهلك لما يتمتع به من مزايا من أهمها كونه صديقا للبيئة .
إلى ذلك ، فإن عجز الولايات المتحدة الأمريكية ، المستهلك الأكبر للنفط في العالم ، عن الحد من اعتمادها على النفط المستورد ، رغم إجراءات الإدارات الأمريكية المتعاقبة عبر السنوات الأربعين الماضية في هذا الخصوص،
هو الأمر الذي سيعزز من الأهمية الاستراتيجية لدول المنطقة لاسيما إذا علمنا إن دول الخليج تسأثر بأكثر من 20% من إجمالي واردات الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كان أمن الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية التي تكتنفها ، من القضايا التي تؤرق صناع القرار في عالم الصناعات النفطية لاسيما عند تعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل, والأهم من كل ذلك فإن الطلب العالمي على النفط الذي يتوقع له أن يصل إلى 96 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020 ، وفقا لتقديرات منظمة الأقطار المصدرة للبترول , أوبك, ما قد يؤدي إلى خلق تخمة نفطية تودي بهيكل الأسعار إلى الانهيار .
ولعل أبرز ما خلصت إليه الدراسة من استنتاجات ، هو أن إمدادات النفط الشرق أوسطية وفقا للمشاهدات التاريخية ، هي إمدادات آمنة يمكن الوثوق بها . إذ دأبت الدول الخليجية على تأمينها حتى في أحلك الظروف قتامة ، مثل الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت ، نظرا لما تتمتع به من طاقات إنتاجية فائضة . وإن التوقف الوحيد في الإمدادات عبر ما يربو على أربعة عقود حدث لمرة واحدة فقط إبان حرب اكتوبر عام 1973 وما رافقه من حظر نفطي قصير الأمد لم يتجاوز الأشهر الستة . وهو مشهد يصعب تكراره في عالم اليوم .