نظام يرغب الجميع بزواله
سعاد عزيز
نظام يرغب الجميع بزواله
منذ تأسيسه ولحد هذا اليوم، يعتبر نظام ولاية الفقيه في إيران، مشکلة غير مسبوقة للعالم خصوصا وإن الاحداث والتطورات التي مرت خلال ال45 عاما المنصرمة من تأسيسه، أثبتت بأنه يشکل خطرا وتهديدا من نوع خاص ولاسيما من حيث إستغلاله وتوظيفه للعامل الديني من أجل تحقيق أهدافه وغاياته.
هذا النظام قام بإستغلال العامل الديني کسلاح ذو حدين، فمن جهة وظفه ببعده المقدس داخليا من أجل ضمان بقائه وإستمراره وإجهاض وقمع أية محاولات مهما کانت من قبل الشعب الايراني لمواجهته والسعي لإسقاطه کما جرى مع سلفه النظام الملکي، کما إنه قام بتوظيفه أيضا من أجل بسط نفوذه في العالم الاسلامي بشقيه السني والشيعي ولکل شق کان خطابه الخاص، أما على الصعيد الدولي، فإن النظام حرص وبصورة واضحة المعالم على إتباع سياسة تتسم بالبراغماتية التي تأخذ في الکثير من الاحيان طابعا ميکافيليا بحتا، والحق إن إجراء مقارنة بين تجربة هذا النظام وتجارب طالبا وداعش وحتى تجربة الاخوان في مصر، يتبين بأن هذا النظام إستخدم ويستخدم الدين کوسيلة من أجل تحقيق غاياته المتباينة وکان ولازال يحذر کثيرا أن تصل الامور في أية معضلة أو مواجهة أو أزمة تواجهه الى مفترق اللارجعة، ومن هنا يمکن فهم قيام الخميني بترجع کأس السم بموافقته وعلى الرغم منه على وقف إطلاق النار مع العراق عام 1988، والذي کان قد وصف النظام الذي يحکمه بالکافر ومقولته المشهورة:"لامعنى للسلام بين الاسلام والکفر"، کما إن نفس هذا الموقف يتجسد في الحروب التي يثيرها"بصورة غير مباشرة" بالوکالة ويعلن"بصورة مباشرة" عن برائته منها، وکذلك في علاقته المشبوهة مع وکلائه في المنطقة، وهکذا دواليك، والخلاصة إن هذا النظام مهما ذهب وتمادى في مخططاته ومغامراته التي قام ويقوم بها ولکنه وعندما يصل الامر قريبا منه، فإنه يتوقف فذلك خطه الاحمر، ذلك إن لهذا النظام هدف يمکن القول بأنه هدفه الاستراتيجي الذي لايعلو عليه أي هدف آخر، وهو أن يجعل من نفسه أمرا واقعا!
مع کل الصعوبات وحالات الفشل والاخفاق التي رافقت عهد خليفة الخميني وعلى الرغم من إنه لم يتسم بأية کاريزما نظير التي التي کان الخميني يتميز بها، بيد إن عهده تميز بأنه الأسوء والاکثر سلبية وخطورة على المنطقة والعالم من عهد سلفه الخميني، لکن الملاحظة المهمة التي يجب علينا أخذها بنظر الاعتبار هنا، هي إنه في الوقت الذي کان في الخميني حاکما مطلقا بمعنى الکلمة لإيران وکان يرفض أي رأي مخالف له کما تجسد ذلك بوضوح في إقصائه لنائبه آية الله المنتظري لمجرد إبداء معارضته على الاسلوب الدموي في إبادة آلاف السجناء السياسيين، فإن خامنئي وإن کان أيضا حاکما مستبدا ولکنه لم يکن يمتلك الهيبة والکاريزما التي إمتلکها الخميني، ولذلك فإنه إضطر لتقريب جهاز الحرس الثوري بصورة ملفتة للنظر منه ومنحه إمتيازات بأن جعله في النتيجة يهيمن على أکثر من نصف الاقتصاد الايراني، وعن طريق هذا الجهاز تمکن من حکم البلاد بقبضة حديدية وحتى مواجهة الانتفاضات الغاضبة التي إندلعت بوجهه بمنتهى القسوة، والذي جمع خامنئي وجهاز الحرس في جبهة واحدة، هو بطبيعة الحال هدف النظام الاستراتيجي بأن يصبح أمرا واقعا.
منذ عام 1989، يجلس خامنئي على کرسي الولي الفقيه، وکان قبل ذلك أمام جمعة طهران، کما إنه جلس على کرسي الرئاسة في الفترة المحصورة بين العام 1981 الى 1989، ومع کل المساعي التي بذلها النظام من أجل تمليع صورته وتسويقه کخليفة للخميني وبشکل خاص التي بذلت من قبل رفيق دربه رفسنجاني الذي مهد له السبيل ليصبح الولي الفقيه، فإن ذلك لم يشفع له وحدثت إنتفاضة 1999، بوجهه والتي کانت صدمة غير منتظرة بالنسبة له، لکن الصدمة الاکبر من ذلك کانت في إنتفاضة 2017، ومع إن الاولى کانت أقوى وأکبر من الثانية، إلا إن إنتفاضة 1999، کانت بمثابة مسعى من أجل ترميم النظام وإعادة بنائه من جديد، في حين إن إنتفاضة 2017، کانت من أجل إسقاطه ولذلك فإن إختفاء خامنئي لقرابة اسبوعين ومن ثم ظهوره وتحامله غير العادي على هذه الانتفاضة، رسمت أکثر من علامة تعجب وإستفهام عليه وعلى نظامه والوضع الذي آلا إليه، مع ملاحظة إن هذه الانتفاضة تحديدا يمکن القول بأنها قد أخرجت کوامن الکراهية والرفض العام للنظام وتنميته بإستمرار منذ ذلك الحين وبصورة غيرت مجرى ومسار العلاقة التي ربطت النظام بالشعب.
إنتفاضة 28 ديسمبر2017، التي إستمرت حتى أواسط يناير2018، کانت تطورا مٶلما للنظام لأنه شهد بروزا وصعودا إستثنائيا لمنظمة مجاهدي خلق التي طالما زعم النظام بأنه قد قضى عليها وأصبحت شيئا من الماضي، ونقول تطور مٶلم لأنه"أي مجاهدي خلق" لم تتوقف عند هذا الحد بل وحتى إن تأثيراتها إصطبغت بقوة في الانتفاضتين التاليتين في 15 نوفمبر2019، و16 سبتمبر2022، ناهيك عما نجم وتداعى عن هذه الانتفاضات من تأسيس شبکات وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق في سائر أرجاء إيران، والذي آلم النظام أکثر هو إنه وعلى الرغم من إعتقاله للآلاف من الذين کانوا ينتمون لهذه الوحدات وهو في حد ذاته يعتبر تطورا إستثنائيا إذ أن معظم المعتقلين کانوا شبانا من الجنسين، خصوصا وإن النظام کان يحذر کثيرا من إعلان عدد المعتقلين من هذه الوحدات في الوقت الذي کان سباقا للإعلان عن عدد المعتقلين من أفراد منتمين لأية تنظيمات معارضة أخرى، لکن الملاحظة الاهم إن القصة لم تنته هنا، بل إن منظمة مجاهدي خلق تمکنت من تجاوز هذه العقبة الناجمة عن إعتقال الالاف وعادت لتشکيل وحدات المقاومة من جديد وإستمرت نشاطاتها رغم إن النظام يتستر عليها الى أبعد حد، وهذا يحدث في وقت يواجه النظام أربعة مشاکل تقض مضجعه؛ الاولى، أوضاعه الداخلية الصعبة جدا والتي توضحت صورتها من خلال تدني الاقبال على الانتخابات التشريعية الاخيرة الى أدنى مستوى وإستمرار التحذيرات من داخل النظام من إحتمالات تفجر الاوضاع وجنوحها بإتجاه إنتفاضة عارمة، المشکلة الثانية، خلافة خامنئي التي هي في الحقيقة يمکن إعتبارها أکبر مشکلة تهدد مستقبل النظام وحتى يمکن أن تحدد مصيره، والمشکلة الثالثة، تدخلاته في المنطقة وتورطه في الازمات المثارة فيها والتي باتت تلسع أصابعه، أما المشکلة الرابعة، فتتعلق بإثارة دوره المشبوه في التدخل في مناطق التوترات في العالم وإرساله الاسلحة الى هناك، ونقصد بذلك تحديدا الحرب الدائرة في أوکرانيا، وکذلك بإثارة ملف إنتهاکاته لحقوق الانسان والدعوة الى مساءلته، ولايبدو هناك مايمکن أن يبعث على الامل بإمکانية أن يکون هناك تطور يغير السياق العام لهذه المشاکل لصالح النظام، بل وحتى إن العکس صحيح، إذ يبدو النظام وکأنه يحاول الامساك بيديه بأکثر من أربع جمر لاسعة في آن واحد لفترة زمنية غير محددة!
مهما سعى خامنئي ونظامه من أجل بث الروح المعنوية في النظام وجعله يقف على قدميه، فإن ذلك أمر يکاد أن يقترب من المستحيل، ولايوجد هناك من يمکنه التأکيد على أن النظام بخير وبإختصار، بعد 45 عاما من تأسيس النظام، يبدو الامر شبيها بالاعوام الاولى لقيامه حيث کانت التحديات والتهديدات تحدق به من کل جانب ولم يعد هناك من حديث عن السير قدما بإتجاه جعل النظام أمرا واقعا وإنما العمل من أجل ضمان بقائه في ضوء التحديات والتهديدات غير العادية المحدقة به، ولکن يجب أن نستدرك هنا قليلا إذ أن النظام في البداية ليس کالنظام الان، حيث إن بريقه قد إنتهى ولم يعد هناك من يتسابقون للرکض على حقول الالغام من أجله وينبهرون بأقواله، وإنما هناك الغالبية التي باتت تشعر ليس بالضجر وإنما بالغضب والسأم من هذا النظام وتريد زواله اليوم قبل غدا!