يواصل الفريق ضاحي خلفان تميم كشف المعلومات حول هويات المتورطين في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح، حيث اكد امس الاول في تصريحات لقناة 'العربية' الفضائية ان شرطة دبي استطاعت من خلال تحقيقاتها المكثفة امتلاك بصمات وراثية (د.ان.ايه) وبصمات اصابع تعود لافراد المجموعة المتهمة بتنفيذ الجريمة. وكان اعلن امس الاول عن اسماء خمسة عشر شخصاً من المتورطين الجدد، ثلاثة منهم يحملون جوازات سفر استرالية.
لا شك ان هذه المعلومات وما سبقها حول هويات المتورطين على درجة كبيرة من الاهمية، لانها اكدت تورط جهاز 'الموساد' الاسرائيلي في الجريمة، وفضحت تواطؤ بعض الدول الغربية في تقديم المساعدات اللوجستية لعملاء هذا الجهاز، ولكن المطلوب الآن الانتقال الى المرحلة الاهم في رأينا، وهي كيفية اعتقال هؤلاء المجرمين ومثولهم ورؤسائهم امام العدالة لمحاكمتهم وفق القوانين المرعية لدولة الامارات العربية المتحدة.
ما حصل هو انتهاك صريح لسيادة دولة، وتهديد خطير لأمنها، وتشويه اخطر لسمعتها، مما يعني ان الجريمة اكبر من اغتيال شخص تابع لحركة 'حماس' تطارده اجهزة الامن الاسرائيلية منذ عشرين عاماً.
دولة الامارات العربية المتحدة تقيم علاقات تحالف قوية مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية الاخرى، ولذلك فان من واجب هذه الدول الوقوف معها بقوة في وجه هذا الاجرام الاسرائيلي الواضح الذي يستهدفها، خاصة ان هذه الدول تملك الامكانيات الضرورية للوصول الى هؤلاء وتقديمهم الى العدالة.
الولايات المتحدة الامريكية استصدرت قرارا عن مجلس الامن الدولي لتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وقدمت لها كل المساعدة الممكنة للقيام بالتحقيقات وجمع الوثائق والادلة المطلوبة للوصول الى المتهمين المفترضين، فلماذا لا تفعل الشيء نفسه تجاه جريمة اغتيال المبحوح على ارض دولة حليفة تتبع النهج الليبرالي الغربي الانفتاحي في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية.
المعلومات متوفرة حالياً عن اسماء المتهمين وجوازات سفرهم، مدعومة بالصور والبصمات، اي انه وبخلاف جريمة اغتيال الحريري، تبدو مهمة اعتقال هؤلاء اكثر سهولة ويسراً، اللهم الا اذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوروبيون يريدون لفلفة الموضوع كعادتهم، لان اسرائيل وعملاءها في نظرهم فوق كل القوانين والتشريعات، وتستطيع ان تقتل وتنتهك سيادة الدول العربية والاسلامية كما تشاء دون حسب او رقيب.
جريمة اغتيال الشهيد المبحوح في دبي هي اختبار حقيقي للعدالة الدولية، وللدول الغربية على وجه الخصوص التي وضعت معايير هذه العدالة، بما في ذلك القوانين الدولية التي ترتكز عليها.
دولة الامارات العربية تصرفت بطريقة شجاعة عندما قدمت نموذجاً امنياً حديثاً ومحكماً، بالكشف عن هوية المتهمين بسرعة قياسية. وكان باستطاعتها كدولة صغيرة التزام الصمت مثل الآخرين، ولكنها فضلت التصرف بمهنية رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر.
صحيح ان عملية الاغتيال نجحت، وتمكن عملاء الموساد من قتل الشهيد المبحوح في غرفته في الفندق الذي نزل فيه، ولكن الاضرار التي لحقت بجهاز الموساد واسرائيل بالتالي اكبر بكثير من المكاسب. فجميع رجال المقاومة هم مشاريع شهادة، وانخرطوا في هذا المضمار من اجل الوصول الى الهدف الاسمى، اي التضحية بحياتهم من اجل وطنهم. وغالباً ما يتم تعويضهم برجال لا يقلون عنهم كفاءة. فبعد اغتيال الشهيد عباس الموسوي جاء بعده السيد حسن نصر الله زعيماً لحزب الله وهو اكثر خطورة ودهاء وقدرة على التعبئة والتنظيم. واستشهد الشيخ احمد ياسين ليحل محله الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، ثم الشهيد سعيد صيام وجاء بعدهم السادة خالد مشعل وموسى ابو مرزوق واسماعيل هنية ومحمود الزهار والقائمة طويلة.
اسرائيل باتت مكروهة ومدانة من قبل الشعوب التي استخدمت جوازات سفر بلادها في هذه العملية الاجرامية، هذا ان لم تكن مكروهة ومدانة من قبل الحكومات. كما ان اسطورة جهاز الموساد كجهاز دقيق ومتقدم في التخطيط والتنفيذ انهارت ايضاً، فقد جرى اغتيال المبحوح وهو الشخص غير المسلح ودون حراسة من قبل خلية مكونة، من ثلاثين شخصاً على الاقل، جرى فضح هوياتهم وتحركاتهم وصورهم في ايام معدودة.
المأمول ان تستمر دولة الامارات في مطاردة الجناة حتى نهاية الشوط، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى مثولهم في قفص الاتهام امام العدالة المحلية او الدولية هم ورؤساؤهم.