نقاش في النجف وكربلاء حول "خليفة السيستاني": ثلاثة أسماء يدور الحديث حولها وعين على "مصدر الإزعاج"
شفق نيوز/ طرح "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" للأبحاث دراسة لمنافشة وضع المرجعية الشيعية في العراق في مرحلة ما بعد وفاة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وطبيعة الخليفة المحتمل له، وتأثيرات ذلك على الطائفة الشيعية، وعلى العراق ككل.
وتحت عنوان "بعد السيستاني: هل هناك خليفة ليواصل إرثه"، تناول المعهد، وهو مؤسسة مستقلة تركز أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج، في دراسته مرحلة السيستاني وما بعده، مستبعدة في الوقت الراهن وجود شخصية قادرة على أداء الدور والنفوذ الذي يلعبه السيستاني حاليا.
وذكرت الدراسة التي ترجمتها وكالة شفق نيوز، بأنه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، أصبح السيستاني "نقطة أساسية للتأثير، ليس فقط على الشيعة العراقيين، وانما على الشيعة حول العالم"، موضحا أن الفتاوى التي أطلقها وأحكامه الدينية، أدت إلى "تغيير مجرى التاريخ في العراق والمنطقة".
والان، تقول الدراسة ان السيستاني أصبح في الـ92 من العمر، وان الشيعة في العراق وأماكن اخرى في العالم، يشعرون بالقلق حول من بإمكانه أن يصير خليفة له، خاصة انه مارس السلطة الدينية بطريقة دقيقة تجعلها تنطبق عليه وحده.
واشارت الدراسة الى ان السيستاني معارض بشدة لمبدأ "ولاية الفقيه" المتبع في إيران.
كما اعتبرت أن الوفاة المحتملة للسيستاني قد تصبح قضية جيوسياسية، حيث يشعر زعماء العالم، وخاصة في الغرب، بالقلق من أن خليفته قد لا يكون بمهارة السيستاني في السير على المسار الرفيع بين الاهتمام بشؤون الدولة ومنح الاولوية لمصالح المواطنين العراقيين، وبين العمل من اجل تحقيق سيادة العراق بعيدا عن جارتها إيران الأكثر تدخلا بشؤونه.
وترصد هذه الورقة البحثية النقاشات الجارية في مدينة النجف حول السلطة الدينية فيما بعد السيستاني، وذلك بالاستناد الى مقابلات أجريت مع رجال الدين في النجف.
وأشارت الدراسة إلى أن نقاشات كهذه تعتبر من المحرمات رسميا، حيث انه من المستهجن التحدث علنا عن الخلافة عندما يكون اية الله لا يزال حيا. الا أنها تابعت ان انه بسبب مكانة السيستاني الكبيرة، فإن هناك مخاوف معلنة من وفاته، متسائلة على يكون السيستاني "آخر آية الله بمثل هذه المكانة العظيمة كمرجعية للمسلمين الشيعة في جميع انحاء العالم؟ ام ان هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، خاصة لأنها تظهر بعد وفاة اي اية الله عظمى بمكانة السيستاني؟
كما تتناول الدراسة إرث السيستاني وتجري مقارنات بينه وبين أفكار من عاصروه والذين شاركوا أفكاره حول دور الدولة في المجتمع الإسلامي وحقوق المواطنين، مشيرة إلى أنه برغم عدم توفر الإحصاءات، إلا أن التقديرات بأن هناك 80٪ من المؤمنين الشيعة في جميع أنحاء العالم، يتبعون السيستاني.
ولفتت الدراسة إلى أن وضع السيستاني معاكس لوضع السيد علي خامنئي الذي كان تعيينه كمرشد اعلى اثار خلافا حادا بين المراجع الايرانية في قم بعد وفاة السيد الخميني.
وتابعت ان السيستاني صعد بعد وفاة معلمه آية الله العظمى ابو القاسم الخوئي في العام 1992، مضيفة ان الخوئي المولود في إيران، هو من بين أكثر رجال الدين تأثيرا بين الشيعة الاثني عشرية، بما في ذلك في العراق وايران.
واضافت الدراسة ان هناك ادلة على ان السيستاني يتمتع بشعبية مشابهة وربما اكبر، كما يتبين من الشبكات الواسعة وطنيا ودوليا لمؤسسات دينية وتعليمية وخيرية المؤسسات يمولها اتباع السيستاني من خلال الخمس والزكاة، موضحة أن شبكات السيستاني من المؤسسات الدينية منذ العام 2003، ولها مكاتب وحلقات دراسية في افغانستان وبريطانيا والكويت وايران وسوريا، هي الأكثر تمويلا، ولم تشكل تحديا لها بقوة سوى مؤسسات خامنئي.
واوضحت الدراسة ان المكانة العالية للسيستاني والتي سبقت العام 2003 والظروف الخاصة بعد الغزو والمتمثلة بفراغ هائل في السلطة السياسية داخل الدولة، والعنف الطائفي الكبير، خاصة بين الشيعة والسنة، والمواجهة بين العراقيين وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، هي كلها ظروف ساهمت في جعل السيستاني "اعظم سلطة أخلاقية في فترة عراق ما بعد الحرب، وبالتالي زعيم الحوزة المؤلفة من شبكات رجال الدين والمدارس والجمعيات الخيرية وغيرها من المؤسسات التي تشكل المرجعية الدينية للنجف.
وتحدثت الدراسة عن عنصر مهم آخر ساهم في تعزيز قوة السيستاني، موضحة أنه خلال عهد صدام حسين، كانت الاضرحة الشيعية تخضع لسيطرة الحكومة التي كانت تعين الموظفين، ويشرف عليها عضو في حزب البعث الحاكم، إلا أنه بعد العام 2003، جرى تطبيق قانون جديد ينص على وجوب تعيين مديري المزارات بناء على توصيات من السيستاني باعتباره المرجع الأكبر.
وتابعت الدراسة أن هذا التغيير أتاح للسيستاني تعزيز سلطته وتفويض من ينوب عنه بإلقاء خطب الجمعة وهو ما لا يخضع لسلطة الدولة.
وفي سياق مواز، لفتت الدراسة إلى أنه بعد صعود الشيعة كاكبر وأقوى مجموعة سياسية بعد العام 2003، وانتقال العراق من الهيمنة السنية خلال عهد صدام، الى الهيمنة الشيعية، شكل ذلك "سيفا ذو حدين بالنسبة الى المرجعية".
واوضح ان أداء القوى السياسية الشيعية وارتباطها برجال الدين، وارتكاب أخطاء في ادارة الدولة العراقية، جعل السيستاني حريصا على استدعاء السياسيين الشيعة عندما كان يعتقد انهم يلحقون الضرر بالصالح العام.
وذكرت الدراسة أن فتاوى وخطابات السيستاني منذ العام 2003، تنقسم الى 3 عناوين عريضة: معركته ضد الصراع الطائفي، وإدانته للفساد الحكومي ، بما في ذلك الفساد الذي ترتكبه الأحزاب الشيعية وثالثا دعمه للمجتمع المدني في العراق، بما في ذلك دفاعه عن حقوق الإنسان.
وتابعت القول إن "السيستاني ملتزم بدولة عراقية ليست ثيوقراطية ولا علمانية بالكامل ولكنها دولة يعتبر الإسلام فيها المصدر الأساسي للقانون بالنسبة لغالبية المواطنين العراقيين".
ولفتت إلى أن من الصفات المميزة الأخرى الإرث السيستاني هي معارضته لمختلف الحكومات العراقية منذ العام 2003 بسبب الفساد المتعمق في داخل الدولة، موضحة أن السيستاني عرف على مر السنين بتجاهله لرؤساء الحكومات وغيرهم من كبار المسؤولين الذين يحاولون زيارته في منزله، وذلك كتعبري منه على استيائه من الحكومة، وهو ايضا كان دائما مرحبا باستقبال الشخصيات الأجنبية بشكل منتظم.
وتناولت الدراسة احتلال تنظيم داعش لمساحات واسعة في العراق وفتوى السيستاني البارزة بدعوة العراقيين الى حمل السلاح ضد الإرهابيين، مضيفة ان السيستاني القى باللوم أيضا على رئيس الوزراء وقتها نوري المالكي بصعود الجماعة السنية المتطرفة بسبب سياسات تهميشهم بما في ذلك في موقعهم في الحكومة والاقتصاد وبسبب فساد حكومته.
وفي سياق آخر، أشارت الدراسة إلى أن إدانة السيستاني لعنف الميليشيات ضد المتظاهرين ساهمت في كسب احترام جيل الشباب له، حتى وهم ينددون بالأحزاب الاسلامية في الحكومة ويطالبون بدولة علمانية بلا دور لرجال الدين.
وحول كيفية اختيار خليفة محتمل للمرجع الشيعي، قالت الدراسة انه على عكس خلافة البابا الكاثوليكي حيث يلتقي الكرادلة في الفاتيكان ويختارون البابا الجديد من خلال الاقتراع السري، فإنه لا وجود لقواعد رسمية تحكم اختيار المرجع الشيعي الاعلى، ولا توجد خطوات رسمية للتوصل الى قرار.
واوضحت الدراسة ان الفكرة الجديدة ل"المرجع" هي جديدة نسبيا، تطورت في القرن التاسع عشر ولم تصبح فكرة ماسة أبدا.
ونقلت الدراسة عن باحثين في العراق قولهم إن الاختيار يعتمد أيضا على السياق الاجتماعي والسياسي في ذلك الوقت وما إذا كان المرشح يتمتع بدعم المجتمع. واشاروا ايضا الى انه في الماضي، عندما كان كبار رجال الدين يختلفون حول الاختيار والمنصب، فإن المنصب كان يتشاركه العديد من رجال الدين.
وتابعت انه "ليس من الواضح ما إذا كان هذا السيناريو سيظهر هذه المرة، خاصة لأنه لا يوجد خليفة واضح للسيستاني، وبالتالي، فإن الانتقال الى اية الله العظمى آخر قد يستغرق شهورا أو حتى سنوات"، مذكرة بأن تعيين السيستاني نفسه بعد وفاة الخوئي، استغرق ست سنوات.
ونقلت الدراسة عن رجال دين وباحثين قولهم ان المناقشات الخاصة في النجف وكربلاء ما زالت مستمرة في استعداد لرحيل السيستاني. وفي هذا الإطار، نقلت عن السيد عز الدين الحكيم قوله "ليس هناك شك في ان هناك مناقشات جارية".
وبحسب الدراسة، فإنه من المحتمل ان هذه المناقشات الجارية في النجف وكربلاء، تشمل آيات الله المحتملين كخلفاء وهم محمد باقر الإيرواني، وهادي الراضي، ورياض الحكيم، نجل الراحل آية الله محمد الحكيم، الذي كان يعتقد أنه سيكون الخليفة الأكثر ترجيحا، إلى أن توفي.
وتابعت انه من غير المرجح أن يخلف رياض الحكيم السيستاني، موضحة أنه كما هو الحال مع نجل السيستاني، محمد رضا السيستاني، فإن الحوزة لا تسمح ان يرث المنصب نجل آية الله.
اما بالنسبة الى الايرواني، فقد ذكرت الدراسة انه برغم ان المصادر في النجف تقترح ان الايرواني الذي هو في السبعينيات من عمره، هو الخيار المفضل في هذه المرحلة، إلا أنها لفتت الى انه ليس من سلالة النبي محمد، وهو ما يمكن أن يقلل من فرصه.
وكان الايرواني افتتح مكتبا رسميا في النجف مؤخرا، وتحدث عن رغبته في خلافة السيستاني، بحسب تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي.
واشارت الدراسة الى ان الايرواني كالسيستاني، درس في عهد الخوئي، ويعتقد ان الايرواني يتشارك مع السيستاني في ارائه حول دور المرجع الأكبر في العراق، وهي لا وجود لتدخل مباشر في السياسة والهدف ان هو خدمة مصالح الناس.
ومع ذلك، تابع التقرير ان اي رجل دين يتنافس على هذا المنصب، سيكون بحاجة الى دعم شبكة حوزات ومؤسسات السيستاني.
كما أشارت الدراسة الى ان الشيرازيين، قد يكونون "مصدر ازعاج" محتمل للايرواني اذا جاء من خط الموالين للسيستاني، اذ ان الشيرازيين الذين يعيشون أساسا في كربلاء، يعارضون بشكل عام نظام الحوزات في النجف وسلطة المرجعية هناك، وهم أكثر تحفظا عندما يتعلق الموضوع بمسألة فصل الدين عن الدولة ولهم وجهات نظر مؤيدة للحكم الثيوقراطي في إيران.
وذكر التقرير أن تاريخ النزاع ما بين الشيرازيين والجهات الدينية في النجف يعود الى اكثر من 50 سنة.
خلاصات
وخلصت الدراسة الى وجود "سباق مع الزمن ما بين موت السيستاني وبين تطور دولة مستقرة وامنة في العراق".
كما اعتبرت انه "من غير المرجح ان يكون لخليفة السيستاني النفوذ او والحنكة الناجحة كي يساعد في الحفاظ على بقاء عمل الدولة والمجتمع في المراحل الصعبة كما فعل السيستاني منذ ذلك العام 2003". الا ان الدراسة اشارت الى ان "بعض علماء الدين في النجف الذين لديهم إيمان بمؤسسات السلطة الدينية، يعتقدون أن ذلك لن يكون على هذا القدر من الأهمية بقدر ما يخشى الآخرون"، اذ ان السلطة الدينية تعتمد على عدة عوامل، وليس فقط على شخصية المرجع الأكبر.
وختمت الدراسة بالتعبير عن الاعتقاد بأن السيستاني سيموت من دون ان يرى دولة عراقية عالمة نسبيا وخالية من الفساد والمحسوبية، مشيرة الى ان الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت مثالا بارزا على ذلك.
وتابع في الخلاصات بانن خليفة السيستاني سيكون بلا شك يتمتع بدور أقل اهمية بكثير في الشؤون السياسة ومن المحتمل انه يتمتع بنفس مستوى الاحترام على المسرح الدولي.
وخلصت ايضا الى ان "الخبر السار للعراقيين هو تراجع شرعية وأهمية ولاية الفقيه يجعل من المستبعد جدا ان يتبنى خليفة السيستاني نمطا راديكاليا من التشيع".
ومثلما انه من غير المرجح ان يكون لخليفة السيستاني نفوذه وشبكاته العابرة للحدود، اشارت الدراسة الى ان دور خليفة السيستاني، قد يتضاءل، مما سيترك مساحة للمراجع الكبرى الإقليمية لتعبئة الفراغ في مجتمعاتهم. واكدت الدراسة انه في هذه المرحلة، لا وجود لأحد في الافق قريب من مكانة السيستاني.