الحرب في اليمن ستتوقف.. ماذا بعد؟
د. حمزة الحسن
04/02/2010
سببان يدفعان الأطراف المعنيّة بالحرب العبثيّة في اليمن للتوقف: الأول، استحالة حسم الصراع عسكرياً، وهو أمرٌ اكتشفته الحكومة اليمنية مبكّراً، واكتشفته الحكومة السعودية بعد أقلّ من شهر من دخولها على خط المعارك المباشرة مع الحوثيين. أما السبب الثاني فيعود الى حقيقة أن الحرب، ومنذ أن شارك فيها السعوديون، لم تحظَ بغطاء دولي يدفع باستمرارها مهما كلّف الثمن. على العكس من ذلك، يمكن القول اليوم بأن هناك ضغوطاً متصاعدة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص على البلدين لإيقافها.
الأطراف الثلاثة المشاركة في الحرب وصلت الى نتيجة أن الحرب خاسرة ومكلفة، وأنه لا بدّ من توقّفها. وإذا كان من الصحيح أن الحوثيين لا يحتاجون الى تعديل خطابهم السياسي بشأنها، كونهم أعلنوا منذ اليوم الأول أنها ستكون كسابقاتها من الحروب، ودعوا الى إيقافها، فإن الطرفين اليمني والسعودي هما من يحتاج الى وقت لتعديل خطابهما السياسي وتسويقه لجمهورهما، والبحث عن مخارج متوفرة تحفظ ماء الوجه، والتنازل عن الأهداف الكبيرة التي كان يأتي في مقدمتها (القضاء على التمرد الحوثي مرة واحدة والى الأبد).
الحوثيون، وخلال الأسبوعين الماضيين، وفروا للحكومتين السعودية واليمنية مخارج ممتازة للخروج من ورطة الحرب بشكل يحفظ ماء الوجه بأقصى قدرٍ ممكن. على الجانب السعودي، أعلنوا انسحابهم غير المشروط عن 48 مرتفعاً وجبلاً و'تبّة' سيطروا عليها داخل الأراضي السعودية بعيد دخول الأخيرة الحرب بشكل مباشر. هذا أعطى السعودية فرصة ترويج زعمين هامين، وإن كانا متناقضين، أعلن عنهما خالد بن سلطان في ردّه على المبادرة الحوثية. الأول، يتعلق بتأكيد مبررات الحرب السعودية، من أن الحوثيين هم من تسلّل الى الأراضي السعودية، وأن الأخيرة قد تمّ الإعتداء عليها، وأنها تدافع عن أرضها. والثاني، أعطى الإنسحاب الفرصة للسعودية لتزعم بأن الحوثيين لم ينسحبوا من تلقاء أنفسهم، وأن ما حدث مجرد إعلان هزيمة حوثيّة، وبالتالي أعلن خالد بن سلطان عن (نصرمبين) حققته القوات السعودية حسب تعبيره. أما على الجانب اليمني، فقد كرر الحوثيون مرة أخرى، قبولهم بشروط الحكومة اليمنية الخمسة لإيقاف الحرب، وقد استمعت الحكومة اليمنية هذه المرّة لذلك القبول بعد أن تجاهلته سابقاً، بالنظر الى حقيقة أن الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن يتوقع من الحوثيين قبولها، وأعلن صراحة بأن الحرب لن تقف قبل إنهاء الحوثيين تماماً وفي الميدان.
يفترض هنا، أن مبررات الحرب قد انتهت، وبإمكان السعودية الزعم بأنها انتصرت، كما يمكن للحكومة اليمنية الزعم بأن الحوثيين رضخوا لشروطها.. لكن بإمكان الحوثيين الزعم أيضاً بأنهم صدّوا جيشين وأوقعوا الخسائر بهما، وأنهم أحبطوا هدف القضاء عليهم. النتيجة تبدو متعادلة تكتيكياً على الأقل، ولكن في المدى الاستراتيجي هي ليست كذلك. إن إيقاف الحرب يتضمن خسارة استراتيجية لصنعاء والرياض.
وإزاء هذا الشعور، والحاجة الى وقت لتهيئة الجمهور لوقف إطلاق النار، حاولت الرياض وصنعاء زيادة الضغط على الحوثيين، بمواصلة القتال من جهة، ووضع شروط إضافية. الحكومة اليمنية أضافت شرطاً سادساً، وهو أن يتعهد الحوثيون بعدم الإعتداء على السعودية، لتأكيد أنهم هم المعتدين بادئ ذي بدء. والسعودية من جانبها أضافت شروطاً مثل: إطلاق سراح جنودها الأسرى؛ وأن تتواجد القوات اليمنية على جانب الحدود. الحوثيون التفّوا على الأمر وقدّموا إجابة في بيان (2/2/2010) يقول نصّه: (وطالما لم يـُعتد علينا، فلن نستهدف أحداً بأيّ شكل من الأشكال... وملف الأسرى السعوديين ليس بعائق إذا كانت هناك نيّة للسلام، فيمكن حل هذا الملف بتبادل الأسرى). وأضاف البيان بأن الحوثيين قد أنصفوا الجميع حقناً للدماء (وعلى الطرف الذي يتلاعب بالألفاظ، ويختلق الذرائع، ويضع المزيد من العوائق من أجل استمرار الحرب، تحمّل المسؤولية كاملة).
ينبغي التذكير هنا، الى أن الحوثيين فشلوا في فصل مساري مفاوضاتهم مع السعودية واليمن. فرغم أن الإنسحاب الحوثي من المرتفعات السعودية قد تمّ على الأرجح وفق تفاهمات مع السعودية وبمبادرة من الأخيرة، توسط خلالها شيوخ قبائل في صعدة مقرّبون للمسؤولين السعوديين واليمنيين على حدّ سواء؛ فإن السعودية وبعد الإنسحاب من أراضيها أعطت اشارتين مختلطتين للرأي العام في ردّها على المبادرة الحوثية: فالبعض فهم من الردّ الذي صرح به خالد بن سلطان، أن السعودية قبلت بوقف إطلاق النار؛ والبعض الآخر فهم منه رفضاً أو في أحسن الأحوال قبولاً مقيّداً بشروط جديدة، تمنح السعودية فرصة لممارسة المزيد من الضغوط عبر القصف للمدن والقرى اليمنية. لكن الأمر المهم هنا، هو أن استمرار الحرب السعودية على اليمن بعد الإنسحاب، قد يفيد بأحد أمرين: الأول، أن السعوديين خدعوا الحوثيين، الذين قيل لهم: انسحبوا وسيتوقف قصف الطيران والمدفعية عن المدن والقرى؛ والثاني، أن السعوديين تراجعوا بسبب غضب صنعاء من الرياض، حيث كانت الأخيرة قاب قوسين أوأدنى من الإلتزام باتفاق ثنائي مع الحوثيين، ما يضع الجيش اليمني في موقف صعب ويعيده الى حاله القديمة قبل التدخّل السعودي. ولعلّ اعتقال صنعاء للوسيط بين الحوثيين والسعودية ـ الشيخ فارس مناع ـ المقرّب من علي عبدالله صالح، والذي سبق له أن توسط بين صنعاء والحوثيين في حروب سابقة. لعل اعتقال هذا الشيخ يفسّرغضب صنعاء من جهة تجاه أية اتفاقات ثنائية مع الحوثيين، كما يفسّر أيضاً مواصلة السعودية لمعاركها في العمق اليمني رغم انسحاب الحوثيين.
الأسئلة الأكثر أهمية بعد توقّف الحرب هي: ماذا بعد؛ أي ما هي التسوية السياسية التي ستلحق ذلك؛ وكيف سيكون شكل الدولة اليمنية في حال دخل اللاعب الحوثي سياسياً فيها من أي باب كان؛ وما هو مصيرالحراك السلمي في الجنوب؛ وكيف سيعالج موضوع الجنوب ومتى؟ من المؤكد أن إيقاف الحرب بدون حلول سياسية شاملة لن يحلّ الأزمة، وقد تشتعل مرّة أخرى، كما حدث من قبل. لا بدّ من توفير سلّة حلول سياسية لكل المعضل اليمني، ضمن خارطة سياسية جديدة، ولاعبين جدد، حسب قواهم على الأرض، فهل الوضع مهيىء لذلك، وهل السلطة في صنعاء تقبل ذلك؟
' كاتب وباحث من السعودية